الاثنين، 16 أبريل 2018

الوثنية و الحنيفية في شبه الجزيرة العربية : من هي الأقدم و الأصل ؟


يطلق المسلمون على الفترة التي شهدتها الجزيرة العربية قبل الإسلام بالعصر الجاهلي , رغم أن هذه التسمية خاطئة , فالعرب عرفوا حضارات و ممالك و علوم و آداب و كذلك تجارة و مختلف الفنون و غيرها قبل الإسلام بكثير.

عند قراءة الكتب الإسلامية التي تتكلم عن أوضاع العرب قبل الإسلام و خاصة من الناحية الدينية , نقرأ عن عدة أديان انتشرت هناك , و هي
المسيحية و اليهودية و المانوية و المجوسية و الصابئية هذه الأديان تعتبر جديدة و مأخوذة عن شعوب أخرى , فالمسيحية و اليهودية لم تكونا أبداً الديانتان الرسميتان للمنطقة العربية و في الأساس انتقلتا إليها من مناطق العبرانيين في الشرق الأوسط أما المانوية و المجوسية فكان قدومهما من بلاد فارس -إيران اليوم- و الصابئية يختلف فيها العديد من الباحثون لكنها كغيرها ديانة مستوردة  هذه المرة من العراق.

و إضافة لبعض الديانات الأخرى كان هنالك أيضاً الحنيفية (التوحيدية العربية) و الوثنية و هما موضوع البحث.

الوثنية كانت الديانة السائدة و الأكثر انتشارات بين كل تلك الديانات , لكن حسب المسلمين فهي عبارة عن تحريف للديانة الأصلية و هي الحنيفية.

ما معنى كلمة حنيفية ؟

في الأصل معنى كلمة حنيفية (حنف الشيء أي ابتعد و مال عنه أو تركه) , لكنها أصبحت تطلق على الديانة التي جاء بها إبراهيم و هي عبادة الإله الواحد و برأي المسلمين فهي الديانة الأصل , ثم تم تحريفها لتصبح وثنيةً , أي أن الحنيفية حسب قولهم هي الديانة الأولى و ديانة الفطرة عندهم أما الوثنية فهي الدخيلة و هي المحرفة.

لكي نبحث في صحة الموضوع علينا أولاً أن نعرف القصة الإسلامية بهذا الخصوص.

حسب الإسلام , أمر الله نبيه إبراهيم أن يبني له بيتاً في مكة بمساعدة ابنه اسماعيل -الذي يرى المسلمون أن أصولهم تعود إليه- هذا البيت -الكعبة- هو دار عبادة يحج إليه كل عباد الله و يوحدونه عنده و يعبدونه فيه... بقي الأمر على حاله حتى جاء عمرو بن لحي الخزاعي أحد سادات مكة و نقل إليها عبادة الأصنام , فتقول القصة أنه كان مريضاً فنصحه الناس أن يذهب إلى البلقاء في أرض الشام كي يتعالج فرأى الناس تعبد الأصنام , فنقلها إلى مكة و كان أول صنم هو للإله هبل وضعه في الكعبة و منذ ذلك الحين تفشت الوثنية و بدأ الشرك و عبادة الأصنام و انحرف الناس عن دين الله حتى جاء الإسلام من جديد كي يعيد الناس إلى دين الحق.

إذاً حسب ما نفهم من القصة أن الديانة الحنيفية (التوحيدية) كانت هي الديانة السائدة حتى جاءت الوثنية على يد عمر بن لحي الخزاعي فحرف بها دين الله.

لكن في الواقع هذا ليس ما حدث , بل و بشكل أدق أي من هذا لم يحدث أبدا , فالقصة مليئة بالأخطاء المنطقية و التاريخية و كذلك قصص إسلامية أخرى تناقضها و اعترفات باحثين نبدأ بها :

الأخطاء المنطقية

1- تخيل هذا المشهد : أنت شخص يتبع دين الله الحقيقي , و هو دين منطقي جداً لا يقبل التشكيك من شدة وضوحه , و لست وحدك في هذا بل قوم كامل يعبدون الله و يتبعون دينه , ثم جاء إليكم شخص يحمل تماثيل قال لكم أنها آلهة فبدأتم تعبدونها هكذا و بكل بساطة! هل من الممكن أن كل سادات مكة الآخرين و كل العرب بكل قبائلهم الذين كانوا يعبدون الله و على دينه تهشم إيمانهم فقط لأن شخصاً سلمهم تماثيل و قال لهم أنها آلهة فبدؤوا عبادتها بدون أن يحاجوه فيها أو يناقشوه بأمرها و بدون أن يحتاج إلى إقناعهم! علماً أن نصوص الإسلام كلها تقرّ أن دين الله هو دين منطقي و القرآن مليء بالآيات التي تحاجج الناس , فكيف استطاع شخص أن يجعل عشرات القبائل أن يعبدواً صنماً ؟ هل من الممكن أنه برهن لهم بالحق أن عبادة الأصنام هي الدين الصحيح ؟ ألهذه الدرجة من الهشاشة دين الله ؟ و لماذا لم يتأثر اليهود و المسيحيون الذين يتبعون ديانتين إبراهيميتين بل اقتصر الأمر على القبائل التي فيما بعد سجلها التاريخ كوثنية ؟ ألا يعني هذا أنها كانت وثنية في الأساس ؟

2- إن كلمة "حنيفي" في الأساس تحمل حل اللغز , فهي تعني (مال عن الشيء أو تركه) هذا يعني أن الوثنية في الأصل هي الدين الأول و الأساسي لكن هناك أشخاصاً مالوا عنها و تركوها سموا بالحنفاء.

3- الكعبة التي في مكة لم تكن الكعبة الوحيدة في المنطقة العربية , بل كان هناك لكل قبيلة كعبة , الكعبة هي المعبد العربي للآلهة , وجدوا في نفس الحقبة التاريخية فكيف إذاً تتكلم القصة عن كعبة واحدة و إذا استطاع عمر بن لحي الخزاعي نقل تمثال الإله هبل إلى كعبة واحدة كيف استطاع فعل ذلك لباقي المعابد ؟ و لماذا وجدت تلك المعابد إن لم يكن هناك آلهة تعبد أساساً قبل عمرو بن لحي الخزاعي ؟

4- الحنفاء هم قلّة قليلة جداً و لم يكونوا الكثرة على مر التاريخ المذكور , و كانوا في العادة بضع أشخاص من قبيلة بكاملها أي قلة منهم , لم يكونوا شعباً واحداً أو تكون لهم قبائل منفردة مثلما فعل المسيحيون و اليهود , بينما الوثنية كانت سائدة لدى الكثير من القبائل و الممالك العربية شمالاً و جنوباً , شرقاً و غرباً.


الأخطاء التاريخية

1- القصة الإسلامية ليس لها أي دليل تاريخي , كل القصص الإسلامية و الأحاديث و حتى القرآن نفسه كتبوا بعد موت محمد بعشرات السنين , بينما الوثنية وجدت في شبه الجزيرة العربية قبل محمد بمئات بل و آلاف السنين , و ليس هناك كتب عربية تؤرخ تلك الفترة  من الزمن , فمصداقية الأحاديث الإسلامية معدومة تاريخياً و خاصة أنها متواترة (بمعنى أنها منقولة بالسمع , مثلاً تجد حديثاً يقول حدثنا فلان أن فلاناً سمع من فلان أنه سمع من فلان أنه سمع من فلان أنه سمع من فلان أنه سمع من فلان أن فلاناً قال كذا!) و ليس هناك مرجع كتابي أو أثري يدعم كلامهم , و أساساً كيف سيسمعون من شخص عاش قبل محمد بمئات السنين و هو لم يترك أثراً كتابياً ؟

2- شخصيات مثل إبراهيم و اسماعيل هي شخصيات وهمية تاريخياً , ليس هناك أي دليل تاريخي أو أثري على وجود شخصيات مثل (إبراهيم , إسحق , اسماعيل , موسى و غيرهم...) فهي تعتبر من قِبل علماء التاريخ شخصيات ألفها اليهود , بل أن حتى بعضاً منهم يشكك بوجود يسوع و محمد تاريخياً , و قصة بناء إبراهيم للكعبة هي كذلك قصة وهمية لم تحدث و لم يسجلها التاريخ أبداً.

3- ليس هنالك أي مصدر خارج الإسلام يقول بتلك القصة و هذه مغالطة , إن طلبت مني دليلاً على صحة كلامي فيجب أن أجلب دليلاً خارجياً يدعمه , لا يمكن أن أسألك : هل الكتاب الفلاني صحيح فتقول لي نعم فأسألك لماذا فترد أن الكتاب يقول عن نفسه أنه صحيح! عليك أن تستشهد بكتاب أو بحث آخر خارج مضمون أو معتنقي الكتاب , و هذا ما لم يتوفر في القصة الإسلامية.

4- هناك العديد من الممالك العربية القديمة التي عبدت الآلهة قبل قصة عمرو بن لحي الخزاعي بكثير من الوقت مثل المملكة السبأية , فمثلاً قبيلة خزاعة التي ينتمي إليها عمرو بن لحي الخزاعي هي قبيلة جنوبية هاجرت إلى الشمال بعد انهيار سد مأرب بين عامي  570 و 542 قبل الميلاد و افتتحت الحرم أي قامت على خدمته (راجع كتاب في طريق الميثولوجيا عند العرب لمحمود سليم الحوت) فقبيلته إذاً جاءت بعد المملكة السبأية (1000 قبل الميلاد) التي اشتهرت بسد مأرب و التي كانت وثنية باعتراف القرآن عندما تحدث أن قوم سبأ مشركون و خاصة أن الصنم الذي حسب القصة أدخله عمرو هو هبل بينما لم يعرف عند السبئيين إله بهذا الاسم كما أن قصة عمرو بن لحي حدثت بعد الهجرة من الجنوب أثر انهيار السد عندما استلمت قبيلته شؤون الحرم أي بعد حوالي ال 500 عام من بدء مملكة سبأ الوثنية.

5- الفترة الوحيدة التي سجل التاريخ وجود موحدين عرفوا باسم الحنفاء و الذين يعود أصل الفكر الحنيفي لهم هي في المملكة الحميرية -اليمن قديماً- في القرن الأول قبل الميلاد , حيث قام قلة من الناس بعبادة إله اسمه (ذوي سموي) أو (رحمن) بعد أن تركوا عبادة بقية الآلهة مثل (إيل مقه و عم و ود و سين و عثتر شرقن) , أي أن عبادة الآلهة هي كانت الأصل ثم ظهر بعض الذين عبدوا الإله الرئيسي و أطلقوا عليه اسم (ذوي سموي) أو (رحمن) بعد أن أنكروا بقية الآلهة و كانوا قلّة قليلة , هذا دليل آخر على أن الوثنية كانت قبل الحنيفية و التوحيد , و أيضاً مملكة حمير قامت في حدود عام 110 قبل الميلاد , لكن مملكة سبأ الوثنية قامت في نفس المنطقة في حدود ال 1000 قبل الميلاد أي قبل المملكة الحميرية بحاولي 900 سنة , و كذلك مملكة كندة في ال 200 قبل الميلاد أي قبل حنفاء حمير ب 90 عاماً كذلك كانت وثنية أما مملكة معين الوثنية فهي الأقدم في الألف الثاني قبل الميلاد أي حوالي 1900 سنة قبل حنفاء حمير مما يعني مجدداً أن الوثنية كانت قبل التوحيد.
افترض الباحثون وجود هذا الشكل التوحيدي في حمير بسبب وجود نقوش قليلة تعود لتلك الحقبة تمجد فيها (رحمنن ذو سماوي أو الرحمن سيد السماء) بدون تقديم قرابين أو ذبائح له و النقوش تذكر فقط أنه تم بناء هذا الجدار أو ذاك الحوض بعوض الرحمن سيد السماء , أما سبب ندرة هذه النقوش فيرى الباحثون السبب أنها لم تكن منتشرة بين الأكثرية بل اعتنقها الأقلية و لم يشاع إلا عن ملك واحد أنه اعتنقها من بين كل ملوك حمير في المصادر الإسلامية -هذا إن كانت صحيحة- فيما يرى البعض أن هذا الإله هو نفسه الإله إيل مقه (أو المقه) الذي كان إلهاً وثنياً في حمير و لربما كان كبير الآلهة فقام بعض الناس بترك بقية الآلهة و عبادته هو و دعوه باسم الرحمن سيد السماء (هذا هو الأمر نفسه الذي فعله محمد حين أنكر كل الآلهة و دعى إلى عبادة كبير الآلهة الوثنية "الله" بدونهم , هذه إشارة أخرى أن الفكر التوحيدي هو الدخيل و لا يمكن أن يقوم بنفسه فهو دائماً مشتق من الديانات الوثنية).

تناقضات مع قصص إسلامية أخرى و اعترفات باحثين

1- عمر بن لحي الخزاعي لم يكن من أدخل الوثنية إلى العرب , فهناك قصة إسلامية تقول أن الله عندما أرسل الفيضان و أنجى نبيه نوح , تكاثر البشر من جديد و شكلوا أقواماً مختلفة ثم بدؤوا يعبدون الأصنام من جديد و الأصنام التي عبدها العرب آنذاك هي أصنام تعود لأشخاص صالحين افقتدهم الناس فأقاموا لهم أصناماً يعبدونها و هي نسر و يعوق و يغوث , وهذا قبل قريش و خزاعة و قبل محمد بآلاف السنين.

2- يتكلم القرآن عن العرب البائدة (أي العرب الذين تمت إبادتهم بشكل كامل) مثل عاد و ثمود , يتكلم القرآن في عديد من الآيات أنهم كانوا مشركين و يعبدون آلهة غير الله , العرب البائدة هم أقدم العرب جميعاً حسب النصوص الإسلامية و هم قبل العديد من الأنبياء حتى قبل موسى بنفسه و بالتالي قبل محمد و قريش و قبيلة خزاعة التي جاء منها عمرو بن لحي الخزاعي بعدة آلاف من السنين و هذا يعني أيضاً أن الوثنية هي الدين الأساسي لسكان تلك المناطق و أن إبراهيم بنفسه هو من حمل فكراً دخيلاً إليهم -في حال كان موجوداً أساساً- و هذا أيضاً دليل آخر أن عمر بن لحي الخزاعي لم يكن من أدخل الوثنية إلى شبه الجزيرة العربية.

3- العديد من الباحثين و الكتاب من العرب و المستشرقين نفوا أن يكون التوحيد و الحنيفية هما الأسبق و الأساس , بل باعترافهم كانت الوثنية هي الدين الأصلي للعرب مثل الدكتور شوقي ضيف - و هو مسلم- في كتابه "العصر الجاهلي" حيث يقول : "كانت كثرة العرب في الجاهلية وثنية تؤمن بقوى إلهية كثيرة تنبثّ في الكواكب و مظاهر الطبيعة , و في أسماء قبائلهم ما يدل على أنهم كانوا قريبي عهد بالطوطمية..." ثم يكمل : "و ليس بصحيح ما يزعمه رينان من أنهم كانوا موحدين , فقد كانوا يشركون مع الله آلهة أخرى كما جاء في القرآن الكريم , و كانوا يتعبدون لأصنام و أوثان كثيرة اتخذوها رمزاً لآلهتهم , و يفيض كتاب الأصنام لابن الكلبي في بيان هذا الجانب.." , كما أضاف معلّقاً على الحنيفية : "و لا نصل إلى أواخر العصر الجاهلي حتى نجد استعداداً لفكرة الإله الواحد , و خاصة عند طائفة تدعى باسم الحنفاء , و كانت تشك بالدين الوثني القائم و تلتمس ديناً جديداً يهديها في الحياة..." ثم أكمل "و أكبر الظن أن كلمة حنيف معناها المائل عن دين آبائه كما يدل على ذلك اشتقاقها..".

4- في كتاب "أديان و معتقدات العرب قبل الإسلام" يقول الدكتور سميح دغيم - و هو مسلم كذلك- أنّ : "قوم عاد أول من عبد الأصنام بعد الطوفان فكانت أصنامهم ثلاثة : صدا , و صمودا , و هرا" و يقول : "هناك روايات تفيد أن تأليه الأحجار أو تقديسها يرجع إلى ما قبل أسطورة <<عمرو بن لحي>> الذي كما يقولون نشر عبادة الأصنام في بلاد العرب بعد جلبها من الشام و جدّة" و لاحظوا قوله "جدّة" الواقعة في شبه الجزيرة العربية دليل أن الوثنية كانت أصلاً موجودة فيها حتى لو صحّت رواية عمرو بن لحي , و يقول أيضاً : "و رغم تضارب الروايات في تحديد زمان و بداية عبادة الأصنام عند العرب , فإننا نرى أن تحديد هذه المسألة لا يتطلب منا إرجاعها إلى شخص معيّن , بل ربما كانت حالة نتجت عن وضع معيّن. فالإنسان كما تعرف هو دائماً مشدود إلى قوى خفية يعتبرها أقوى منه و تسيره". أي أن الوثنية لا تعود لشخص معيّن مثل عمرو بن لحي بل هي بسبب فطرة الإنسان الذي ينجذب دائماً إلى الآلهة و الأرواح.

5- الأحاديث التي تتحدث عن الحنفاء قبل الإسلام تبيّن أن الحنفاء كانوا يقصدون الأديان الإبراهيمية نفسها (اليهودية و المسيحية) و التي هي دخيلة على شبه الجزيرة العربية و ليست أساساً فيها أو مجرد اعتزال الوثنية (كرد فعل عليها و ليس لأن هنالك ديناً يتبعوه) فهناك حديث إسلامي يقول أن الوثنيين العرب كانوا يقيمون طقساً فرفض أربعة رجال المشاركة فيه هم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى (لاحظوا أن أسم جده هو عبد العزى - العزى هي إلهة عربية قديمة , إشارة أخرى إلى أن الوثنية قبل الحنيفية و التوحيد) و عبيد الله بن جحش و عثمان بن الحويرث و زيد بن عمرو بن نفيل , يقول الحديث الإسلامي أن ورقة بن نوفل دخل المسيحية أما عبيد الله بن جحش بقي ملتبساً شاكّاً في الوثنية حتى جاء الإسلام فأسلم (فلم يكن هناك فارق زمني كبير بين الحادثة و ظهور الإسلام و الدليل أنه عاصر مجيء الإسلام و أسلم) , أما عثمان قدم على قيصر ملك الروم و دخل المسيحية و أما زيد فاعتزل الوثنية و لم ينخرط في دين بل قال أعبد ربّ إبراهيم ثم أسلم عند مجيء الإسلام , دليل على عدم انخراطه بدين حتى مجيء الإسلام مثل عبيد الله بن جحش , هذا دليل آخر أن الحنيفية هي رد فعل على الوثنية التي هي أساساً موجودة سابقاً.

6- يوجد عرب كانوا أقدم من عمرو بن لحي الخزاعي ممن تسموا بأسماء الآلهة دليل على أن عبادة الآلهة موجودة قبل ولادة عمرو بن لحي حتّى , مثل :
* عبد مناة بن عائذ الله بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان و هو يسبق عمر بن لحي بخمسة آباء من خمسة عشر أباً إلى كهلان , الجد المشترك للاثنين حسب أقوال النسّابين العرب
* عبد مناة بن أد بن طابخة  بن الياس بن مضر و هو يقابل جد عمرو بن لحي
*يام مناة بن شبيب بن دريم بن القيم بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة و هو يقابل جد جد عمرو بن لحي
* تيم اللات بن ثعلبة بن ربيعة بن نزار بن معد و هو أقدم بزمن طويل من عمرو بن لحي
* تيم اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير و هو يسبق عمر بن لحي بثلاثة آباء
* عبد العزى بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر و هو يقابل جد عمرو بن لحي.
*عبد شمس بن زيد بن لأي بن شبث بن قدامة بن اعجب بن مالك بن لأي بن قحطان و هو أقدم من عمر بن لحي بعصور طويلة.


7- المؤرخون العرب يختلفون فيما بينهم في تحديد المكان الذي أتى به عمرو بن لحي بصنم هبل , فالأزرقي يقول أن عمرو بن لحي أتى به من هيت من أرض الجزيرة , أما المسعودي يجعله من البلقاء في أرض الشام , كما أن ابن الكلبي يورد سببين مختلفين لجعل عمرو بن لحي ينصب الأصنام فالرواية الأول سافر عمرو إلى الشام بسبب مرضه و عاد بالصنم أما في الرواية الثانية فإنه رئي من الجن أتاه فنصب صنماً , هذا التضارب يؤكد أن القصة غير دقيقة و لا يوجد أي دليل مثبت عليها فلو كان هنالك مرجع موثق للقصة لما اختلف العديد من المؤرخين فيها , هذا الاختلاف يدل أن القصة مبنية على افتراضات و اختلاقات ليس إلا.

8-يناقض الكلبي في كتابه الأصنام نفسه ففي حين أنه أورد قصة عمرو بن لحي و قال أنه من أدخل عبادة الأصنام ، فهو يقول لاحقا أن قبيلة هذيل بن مدركة التي هي أسبق من عمرو بن لحي كانت أول من بدل دين ابراهيم و عبدت الأصنام "وكان أول من اتخذ تلك الأصنام (من ولد إسماعيل وغيرهم من الناس [و] سموهما بأسمائها على ما بقى فيهم من ذكرها حين فارقوا دين إسماعيل) هذيل بن مدركة، اتخذوا سواعا. فكان لهم برهاطٍ من أرض ينبع. وينبع عرض من أعراض المدينة."

9- يورد ابن الكلبي أسماء عدة قبائل أخرى عبدت آلهة قبل عمرو بن لحي كذلك و هي :

"واتخذت كلب ودا بدومة الجندل واتخذت مذحج وأهل جرش يغوث.

واتخذت خيوان يعوق فكان بقرية لهم يقال لها خيوان من صنعاء على ليلتين مما يلي مكة.

واتخذت حمير نسرا فعبدوه بأرض يقال لها بلخع."

10- يقول ابن الكلبي أن تلك القبائل هي أول الناس من ولد اسماعيل الذين بدلوا دين ابراهيم ، لكنه يقول لاحقا أن تلك الأصنام التي عبدتها تلك القبائل كانت معروفة زمن نوح ، علما أنا نوح أقدم من ابراهيم و من اسماعيل بكثير فيقول : "هذه الخمسة الأصنام التي كانت يعبدها قوم نوحٍ فذكرها الله (عز وجل) في كتابه فيما أنزل على نبيه (عليه السلام): { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا}."
حتى لو افترضنا أن تلك القبائل عادت لعبادة تلك الأصنام التي كانت أساسا معروفة لدى نوح -أي اقتبسوها من قوم نوح- إلا أن هذا الافتراض خاطئ ، فحسب القرآن قد أحدث الله طوفانا عظيما زمن نوح بعد أن انتهى من دعوته مزيلا كل الآثار الشركية و ماحيا أي أثر للشرك (حسب ما يقولون) و لم يكن من الناجين سوى أهل نوح و قليل من قومه الذين هم من التوحيديين ، فلا مجال إذا أن يتذكر عرب الجزيرة عبادة تلك الأصنام التي هي لقوم آخرين بعد حدوث الطوفان و بالتالي فالوثنية لدى العرب لم تستورد من شعب آخر بل كانت موجودة دائما لديهم كبقية الشعوب ، و على كل الأحوال فإن الآية تقترح أن الوثنية كانت معروفة لدى قوم هم أسبق من ابراهيم بكثير.

11- يناقض ابن الكلبي نفسه مجددا ، ففي حين أنه قال أن عمرو بن لحي قد أدخل صنم هبل كأول صنم و بالتالي أقدمها فهو يقول لاحقا أن أقدم الأصنام يعود لمناة حيث قال : "فلما صنع هذا عمرو بن لحى دانت العرب للأصنام [وعبدوها] واتخذوها. فكان أقدمها كلها مناة".

12- هذه التناقضات الكبيرة في القصص تشير إلى أنها كلها اختلاق لا أكثر ، و على كل الأحوال فإن حتى قبيلة هذيل بن مدركة إن صحت روايتها فهي ليست أول العرب الوثنيين ، فهي أقدم من عمرو بن لحي بقليل (يقابل أبا جد عمرو)  (حيث يعود تقدير زمن عمرو لأربعمئة سنة قبل محمد ، راجع كتاب Muhammad The Holy Prophet, Hafiz Ghulam Sarwar, p 18-19) ، أما هذيل و قبيلته يقابلون أبا جد عمرو حسب النسابين العرب و بما أن محمد ولد في ال 570 للميلاد و عمرو قبله ب 400 سنة أي تقريبا 170 للميلاد و هذيل أقدم منه بقليل (يقابل أبا جده) فهو بالكاد يتجاوز (أو لا يتجاوز حتى) الأعوام الميلادية و لكن المعينيين و السبئيين و غيرهم من العرب الوثنيين يعودون لآلاف السنين قبل الميلاد ، و بشكل عام فإن ابن الكلبي لا يقول أن هناك شخصا اسمه هذيل نصب أصناما لعبادتها ، بل أن القبيلة بكاملها (التي تسمى قبيلة هذيل بن مدركة) هي من كانت وثنية أساسا.

يمكن لأي شخص أن يبحث في موضوع حنفاء حمير أو التوحيد في حمير و تاريخه لمزيد من المعلومات , و هنالك الكثير من المواقع التي توفر صور لبعض من الآثار التي تم ذكرها مع ترجمة للنصوص عليها و كذلك أن يبحث في الممالك العربية القديمة و أن يعرف أسماء العديد من آلهتهم.

مما سبق يمكن الاستنتاج أن الحنيفية هي في الأصل فكرة دخيلة , كما يمكن معرفة أن عمرو بن لحي الخزاعي ليس من جلب الوثنية إلى شبه الجزيرة العربية لأنها كانت وجودة هناك أساساً , كما هو الحال عند كل الشعوب في العالم , و أن التوحيد و الحنيفية حديثا العهد مقارنة بالوثنية التي هي الأساس , أما بالنسبة للقصة , فهي تأليف إسلامي لكي يعطي الإسلام شرعية لفكرة التوحيد بقوله أنه الأساس و أن التعددية و الوثنية هما الدخيلان و لكي يبرر الحاجة إلى رسول جديد.

هناك تعليق واحد:

  1. مرحبا بدون زحمه اريد تقرير عن الوثنيه في الجزيره العربية .. اذا امكن مساعده . حتى لو اسماء بحوث أو اساتذه مختصين . شكرا

    ردحذف