الثلاثاء، 26 مارس 2019

هل هنالك وثنيون متعصبون ؟

لقد تكلمنا عن الوثنية كثيراً في المقالات السابقة , فهمنا أن الديانات الوثنية ليست ديانات شرائعية , فلا كتاب مقدس لها يملي علينا ما نفعله بل يُترك الأمر في كثير من الأحيان للقوانين المحلية , إن لهذا فائدة كبيرة , لكن هناك مشكلة ليس الوثنيون كبشر بمعزل عنها :
التعصب.

نعم هنالك وثنيون متعصبون , هذا هو الجواب المختصر.
الجواب الأدق هو أن نعرف طبيعة هذا التعصب , قد يكون مفاجئاً لكن كحكم ديموغرافي للوثنيين فإنه لا يوجد العديد من الوثنيين في منطقة الشرق الأوسط , لذلك سنتكلم بشكل خاص عن الوثنيين الغربييين , في القارتين الأميركيتين , و أوروبا.

بشكل شخصي يمكنني القول , و بعد عدة سنوات من الاختلاط مع الوثنيين الغربيين فإن المتعصبين منهم (طبعاً ليس الكل متعصباً بل في الواقع هم الأقلية) تكون طبيعة تعصبهم سياسية في المرتبة الأولى و ليس دينية , إن التعصب الديني للوثنيين هو بشكل دقيق ليس تعصباً و إنما حساسية من الديانات الإبراهيمية كون أن أغلب الوثنيين هم من خلفيات إبراهيمية (و إلحادية - أولئك من الخلفيات الإلحادية لديهم تحسس مسبق من الديانات الإبراهيمية كونهم يتعرضون للتهميش و الإساءة من قِبل الإبراهيميين و تنتقل هذه الحساسية معهم إلى الوثنية).

كما نعرف , يُقسم المجتمع الغربي و الأميركي تحديداً , سياسياً إلى قسمين أو حزبين رئيسيين , اليمينيون و اليساريون , تحدث بين هذين الحزبين العديد من المشاكل و خاصة في دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة الأميركية بقضايا كثيرة مثل العرق و الهجرة المستمرة و السياسة الخارجية , للأسف فإن هذه المشاكل يحملها قلة من الوثنيين معهم إلى الوثنية و يستخدمونها مبرراً لما يفعلونه , و بذلك تظهر مسميات وثنية جديدة مثل Folkish Paganism (الوثنية الشعبية) و التي هي يمينية تعصبية بامتياز ترى الآلهة كترميزات عرقية فقط و لا أكثر , و تحتفظ فقط بمظهر الوثنية الخارجي و تنكر الجانب الروحي , و تُستخدم كأداة لتبرير وجود إثنية واحدة في الدولة , شيء ترفضه الوثنية (سنتكلم عن ذلك في مقال مهم جداً لاحقاً).

و كذلك تظهر أنواع مثل الوثنية الرخوة , حيث هي شهيرة من قِبل اليساريين المتطرفين أكثر , الذين لا يقيمون وزناً للتقاليد و احترام عادات الشعوب الأصلية كما يفعل معتنقوا ديانات "العصر الجديد" و يزيلون و يدمجون بين الآلهة كأنهم مجرد أفكار (لكنهم لا يزالوا يعتبرونهم كائنات روحية - بطريقة ما غير مفهومة) فيساوون بين آلهة من مختلف الحضارات بدون دليل أو ركيزة (للمزيد من هنا) , و يستخدمونها مبرراً للاختلاط الإثني الزائد عن حده , و الذي في الواقع هو أحد أشكال الإمبريالية , و يستشهدون على ذلك بما قام به اليونانيون القدماء كأنهم منزهون , متناسين أن ما فعله اليونانيون القدماء كان يسمى احتلالاً.

لا داعي للتشاؤم , هؤلاء في العادة قلة , لكن عددهم يزداد بسبب التوتر السياسي الذي يحصل في الغرب , الذي يؤثر ليس فقط الوثنيين بل كذلك المسيحيين و المسلمين و الملحدين , حيث كلٌ منهم يستخدم تبرريرات تروق له للوصول إلى أجندة معينة.

شخصياً , و بعد اطلاعي على الكثير من أفكارهم , و بحثي عن مسار صحيح للوثنية بعيداً عن تعصباتهم , تعرفت على ما يسمى بال Indigenism , أو Indigenous Paganism (الوثنية الأصلية) أو Traditional Paganism (الوثنية التقليدية) , و هو مذهب في الواقع يبتعد عن التيارات السياسية الغربية و يحارب الإمبريالية الفكرية و الإثنية و السياسية , يعتمد على الوثنيات التي لم تضمحل مثل العديد من القبائل و الشعوب الأصلية التي ما زالات موجودة حتى الآن كي تكون لنا الخطوط الأساسية أثناء إعادة انبثاق دياناتنا التي خبا ضوءها , و كذلك على الأفكار الوثنية في العصور القديمة ما قبل العصور الاستعمارية.

لذا كان من الواجب أن أبدأ مباشرة بنقل الصورة الصحيحة عن الوثنية للمعتنقين و القراء المتحديث باللغة العربية قبل أن يختلطوا و يتلوثوا بالأجواب السياسية الغربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق