السبت، 15 ديسمبر 2018

كيف حاربت الديانات الإبراهيمية الإثنيات


على مدى العصور , تشكلت إثنيات عديدة أعطت لكل جماعة بشرية
خصوصية حضارية و ثقافية و كانت الديانات الوثنية وقتها ممتزجة بتلك الحضارات و الثقافات و الإثنيات لدرجة أنه كان من الصعب اعتبار الإثنيات كاملة بدون تلك الديانات.

ثم ظهرت بعد عصور طويلة الديانات الإبراهيمة كتطبيق عملي للفكر العولمي , أي جعل العالم كله متشابهاً و محو أي مظهر من مظاهر الاختلافات الثقافية التي تجعل عالمنا جميلاً.

إن الاختلافات إيجابية , تعطي لكل حضارة مميزات , مثلاً تخيلوا اليابان بلا أضرحة الشنتو و طراز البيوت المعماري و لا اللغة اليابانية و لا ديانة الشنتو و طقوسها , بل حل محلها الطراز اليوناني مثلاً و بدل عبدة الآلهة اليابانية تتم عبادة الآلهة اليونانية , حينها لن تعود اليابان ياباناً بل مستعمرة يونانية , نعم.. محاربة الإثنيات تعتبر استعماراً فكرياً و غزواً ثقافياً و حضارياً... لكن الذي يحدث في العالم هو ليس أن الحضارة اليونانية تريد غزو اليابان , بل الديانات الإبراهيمة هي التي تفعل ذلك بالعالم.

قد تبدو الكلمات قاسية هنا , لكننا بحق لا نعني التهجم على أحد إنما فقط مناقشة وقائع تاريخية و استخلاص العبرة , نحن في "الوثنية بالعربي" نشجع الجميع على الانتماء للطريق الروحي الذي يشعرهم بالراحة و الطمأنينة و يقدم المساعدة في عالمنا حتى لو كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية , فالهدف من الدين و الروحانية في نظرنا هو تحقيق هذه الأمور , و طالما أن ديناً معيناً أو عدم الانتماء لدين يمنحك إياها فنحن نشجع على ذلك , إنما الحديث هنا على أمور تاريخية حصلت و لا يمكن إنكارها.

و سنعطي مثالاً على محاربة الديانات الإبراهيمية للإثنيات ما فعله الإسلام بالعرب
لا بدّ أنكم تعلمتم في المدرسة أن الإسلام جاء ليرفع راية العروبة و يوحد العرب و يرفع من شأنهم , لكن هذا ليس صحيحاً بتاتاً.

لم يكن العرب يوماً شعباً واحداً , إن كلمة عرب في الواقع أطلقتها الشعوب القريبة منهم عليهم , كالآشوريين , حيث كلمة عرب تعني سكان البادية , كانت هذه الكلمة تطلق على القبائل التي تسكن البادية بغض النظر عن قوميتها (و لربما أطلقت على الآراميين السوريين الذين سكنوا البادية كذلك).

كان العرب يُسمون بأسماء قبائلهم و ممالكهم , مثلاً كانوا يسمون باليمنيين , السبأيين , المعينيين , القيداريين , النبطيين , الحجازيين , النجديين... و  ليس بالعرب , حتى لغاتهم كانت تسمى بأسماء مختلفة و لم تكن تسمى بالعربية.

شكل هذا الاختلاف مزيجاً جميلاً من الثقافات في شبه الجزيرة و شمالها , كل مملكة و كل قبية أعطت شيئاً جديداً و لعبت دوراً بحركة التبادل المعرفي و الثقافي و الفني.

ما تعلمتموه في المدرسة عن أن الإسلام وحد العرب هو في الواقع غزو لتلك الحضارات , لم تدخل تلك الممالك و القبائل بطوعها الإسلام إنما حاربت كثيراً و دافعت عن حضارتها كثيراً , و قُتل و سُبي الكثيرون و سفكت الكثير من الدماء , لم تطلب تلك الشعوب أن تتوحد و لم يكن من حق الإسلام فعل ذلك , و ما قيل عن إلغاء الإسلام لما سموه العصبية الجاهلية القبيلة خاطئ , إن الحروب كانت طبيعية بين الشعوب القديمة , لكنها لم تحدث أبداً من أجل الدين , كان الإسلام من أوائل من ابتكر هذه الممارسة الجديدة , بعد اليهودية و المسيحية و لربما الزرادشتية (و التي أبدات الكثير من معتنقي الديانة الفارسية القديمة) , كما أن الإسلام لم يلغي أبداً الحروب بل زادها سوءاً من ناحية العدد و العنف , فالقبائل و الممالك تحاربت بين بعضها في أوقات محدد في التاريخ القديم , لكن الإسلام مد الأمر ليشمل مناطق كبيرة من العالم , بل العالم بأسره , في الهند و أفغانستان و الشرق الأوسط كله و أوروبا... و ليس كذلك فقط , بل هناك نزاعات طائفية بين الطوائف الإسلام أسوأ و أكثر دموية من أي حرب حدثت بين شعوب العالم القديم , إضافة إلى ذلك , الحروب الداخلية في البلدان و المجتمعات المسلمة نفسها و حتى من نفس الطائفة و المذهب في أمور تخص الدين و التحريم و الحقوق الاجتماعية و المدنية , فأين هو التوحيد و رفع الشأن و إلغاء التعصب الذي سمعنا عنه و زرعوه في عقولنا منذ الصغر ؟ إن كان المسلمون يتقاتلون حتى اليوم على من أحق بخلاف رسولهم و على تفسير آيات مكتوبة على ورق يموت بسببها الآلاف , و أين رفع شأن المرأة و التحرير من ما ادعوه ظلماً بالوأد الذي كذبوا به ؟ ألم تكن بلقيس ملكة سبأ ؟ أم تكن نادين ذي صدقن شمس أميرة ؟ أم يعبد العرب آلهة إناث ؟ لكن الأمر استغرق الكثير حتى يسمح المسلمون في دولهم للمرأة بقيادة السيارة , يجبرونها على ارتداء ملابس دينية من صغرها لم يكن لها حرية اختيارها من رفضها أبداً , فأين رفع شأن المرأة ؟

إن محاربة الثقافات التي تميز بها العرب في السابق أودت بهم إلى مهالك الأمم و ضياع هويتهم الحضارية , لأن الإسلام فرض عليهم نموذجاً عولمياً يهمش كل الاختلافات التي تعتبر ضرورية لتشكل الإثنية , و في حين أن الإسلام لا يُعنى بالتمسك بالأرض و جذورها و الاحتفال بالتقاليد و الثقافة المحلية التي جمعت الشعب الواحد , على العكس تماماً , الديانة العربية القديمة هي ديانة إثنية , تتطبع بهوية الشعوب العربية التي سكنت مناطقها الأصلية , تتمسك و تتشبث بجذورهم و تحافظ على هويتهم و مركزهم الحضارة و تتطور و تتقدم بتقدمهم , تحتفل بالطبيعة و الآلهة العربية , تتعلق بكل ما يخص العرب و إثنياتهم و حضاراتهم.

يمكن القول أن الإسلام يهدف إلى تمسك الشخص بنصوص الإسلام و ممارساته , يهدف إلى عولمة العالم و إزالة المعالم الحضارية و الثقافية للشعوب و تطبيعها بالنموذج الإسلامي , بينما الديانة العربية تحتفي بكل تلك الأمور و ليست مهتمة و لا هادفة إلى تطبيع الحضارات و الإثنيات الأخرى بها , بل تحترم خصوصيتها و لا تتطفل عليها.

ما فعله الإسلام بالعرب , فعلته اليهودية و المسيحية بالحضارات القديمة في الهلال الخصيب مثل الكنعانيين و الآراميين..

و ما زلنا حتى اليوم نعاني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق