الأحد، 19 أغسطس 2018

هل تحض الوثنية على الأضاحي البشرية ؟

هيكل وثني مع تقدمة لطيفة

يتساءل العديد حول تقديم الأضاحي و القتل الذين قام بهما البشر في العصور القديمة و إن كان لهذين الفعلين علاقة بالوثنية أو جزءاً منها أو لا
إن الجواب على هذا السؤال يقتضي منا معرفة طبيعة المجتمعات البشرية سابقاً و كذلك إن كان للوثنية مصدر تشريع يحث على ذلك.

عرفت في العديد من الحضارات كالأزتك و اليونان تقديم الأضاحي البشرية للآلهة , سواءً من بين الشعب أو من الأعداء الذين تمّ أسرهم , كما شاعت الحروب بين الأمم , و الوثنية كديانة تمتزج بالحضارة قد كانت على مقربة من هذه الأفعال , ففي حين أنه قد يتبادر لذهن القارئ عن هذه الأفعال أن الطقوس الوثنية تستلزم التضحية بالبشر فإن هذا الأمر خاطئ تماماً و بعيدٌ كل البعد عن الصحة.

إن قيام العديد من الحضارات بتقديم قرابين من البشر أو من الحيوانات هو فعلٌ ينمّ عن طبيعة المجتمعات البشرية آنذاك و التي عانت من الصراعات الدائمة نتيجة عدم الاستقرار و عدم وجود حدود واضحة للدول و الشعوب , فكان لا مهرب من الحروب و التي ولّدت أسرى بين الأطراف , فكان الفائز في الحرب , و من أجل دبّ الرعب في نفوس الخصوم , يذبح أولئك الأسرى في كثير من الأحيان , و من أجل المباهاة بنفسه أمام الآلهة فإنه كان يعتقد أن التضحية بالأسرى من أجل الآلهة ستجلب له المزيد من القوة و الانتصارات في المعارك , من جهة أخرى كان الحاكم في عديد من الحضارات كالأزتك يخيف الناس عن طريق تقديم أحدهم كقربان للآلهة راغباً في تثبيت حكمه و الإطالة به , هذا بالإضافة إلى تقديم الحيوانات كقرابين.

لكن هذه الصورة القبيحة لم تكن الغالبة كما يحاول البعض الترويج لها , في الواقع كان تقديم الأضاحية البشرية في أغلب الحضارات شيئاً نادراً , و عندما يحدث فهو يحدث في مراكز الحكم , في حين عرفت القرى سلاماً و تناغماً بين البشر و الآلهة , باختصار يمكن القول أن الأضاحي البشرية سببها السياسة , لا الدين.

بالإضافة إلى ذلك , فإن الوثنية كمجموعة من الأديان لا تحتوي تشاريع ثابتة و آمرة , فمثلاً لا يوجد في الديانة العربية القديمة كتاب يقول لك أن تفعل كذا و كذا , و لا في الديانة المصرية و لا في غيرهم من الديانات الوثنية , بل إن الكتب عن الدين إن وجدت فهي لا تتعدى أن تكون كتب أساطير أو شعر أو قصص مثل الإلياذة , و الأمر ذاته في الأديان الوثنية الجديدة مثل الويكا , لذلك لا يوجد بالطبع أي نص يأمر بالقتل و سفك الدماء على عكس باقي الأديان التي شرائعها جامدة موجودة في كتب تعتبر مقدسة و تحتوي العديد من أوامر القتل الثابتة و الآمرة.

و كذلك , فإنه و حتى في العصور القديمة قد عرفت الحضارات جماعات دينية وثنية ترفض حتى تقديم الحيوانات كأضاحي مثل الأورفيين في اليونان , و في اليونان كذلك , بدلاً من التضحية بثور كان يمكن للعائلات تقديم كعك مخبوز على شكل ثور , و كذلك في اليابان التي عرفت في السابق بتقديم خيول بيضاء كأضاحي فإنه يمكن استبدالها بكعك مخبوز على شكل حصان , لاحقاً حتى شكل الحيوان لم يعد مهماً و العديد من الوثنيين اليوم هم نباتيون أو خضريون و كذلك مناصرون للبيئة.

بالنسبة لتقيدم القرابين و الأضاحي , يراها الكثيرون كطقس رمزي , فالآلهة بالنسبة لهم لا تحتاج إلى تلك القرابين و إنما الطقس هو رمزي كنوع من التعبير عن الحب و الامتنان لذا فإن طبيعة القربان ليست لها الأهمية المطلقة , في الواقع فإن العديد من القرابين و التقدمات اليوم هي من المياه ، البخور , العطور , الخبز , الورود , الرز , الفواكه , الخضار و غيرها من المواد التي لا تستلزم ألماً للحصول عليها.


و الأديان الوثنية لا تعنى بالماضي أو تحاول العودة إليه , ففي حين أنه من الجيد معرفة الماضي و التعلم من أخطائه فإن الوثنية متجددة و متأقلمة مع الحاضر و لا تهتم بتقليد ما قام به القدماء من أخطاء , لذلك فإن موضوع تقديم الأضاحي البشرية هو شيء مرفوض تماماً لدى الوثنيين لكونه عملاً غير إنسانيّ تماماً.

و أخيراً يجب القول أن تاريخ البشر مليء بالدماء و القتل منها ما هو شنيع جداً و قد ارتكب البشر على اختلاف انتماءاتهم جرائم سواء وثنية أو إلحادية أو إسلامية أو مسيحية أو غيرها ، لذلك فإنه لايجب تحميل الانتماء هذا الذنب بل للبشر ، إلا في حالة واحدة و هي إن كان الانتماء يشرع القتل في نصوصه و كتبه و آياته.


تقدمة صغيرة من الورود لإحدى الآلهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق