الاثنين، 24 سبتمبر 2018

النظرة الوثنية للعالم


عندما فتح الإنسان الأول عينيه على ما حوله رأى
الأعاجيب و المعجزات و السحر من حوله
لم يكن الليل ظاهرة عادية و لم تكن الشمس مجرد نجم يحدث فيه تفاعلات كثيرة و لم تكن النجوم مجرد كرات غازية و لا الأشجار مجرد أعمدة بنية بأوراق خضراء ، لم يكن المنزل مجرد بناء و لا النهر مجرد مجرى...

كان كل شيء حولنا سحرياً و بديعاً ، مصدر حب و خوف و الحياة اليومية كانت مغامرة شيقة لا يعكرها روتين ممل

كانت الأرواح تجوب العالم و الليل ستارة معتمة مطرزة بالنجوم ، الآلهة في كل مكان و السحر يجري هنا و هناك

كانت النجوم التي نسميها درب التبانة نهراً مقدساً للهندوس ، كان المنزل لدى الأوروبيين القدماء ملجأً و حصناً و مكاناً مقدساً ، كانت الواحات و الشجيرات لدى العرب أماكناً تسكنها الأرواح و الآلهة ، أماكن عجيبة.

إن الديانات الوثنية الآن تسعى لإعادة العلاقة العجيبة بين الإنسان و ما حوله من طبيعة حتى يأخذ مكانه فيها ، كي لا تترك مجالاً للكآبة التي خلقها عالمنا المادي اليوم ، كي تعطي الفرصة للعقل البشري أن يغامر في جوف ظلمة الليل ، كي يمجد الصباح ، كي يتفاعل مع ما حوله من حياة بشكل طبيعي ، حيث جنيات الحقول و آلهة الجبال و أرواح المنزل المجتمعة عند المدفأة شتاءً ، حيث الأساطير تحيا من جديد.

إن نظرة الوثنية للعالم هي نظرة عجائبية ، لكنها لا تمنع أي تقدم ينجزه الإنسان على المستوى المادي ، فإن أول العلماء كانوا وثنيين منهم من أسس علوم الرياضيات و الأحياء و الهندسة و الفلسفة و العمارة و الطب و غيرها... و إن وثائق الأمم تشهد بذلك ، فمصر التي تعتبر من أكثر الحضارات التي مارس شعبها السحر أذهلت العالم بأعاجيبها العلمية و الحضارية ، و اليونان التي أنجبت العلماء و المفكرين اشتهرت بكهنة الآلهة ، عدا عن فلاسفة الهند و الصين و أطباء العرب الأوائل و حضاراتهم شمالاً و جنوباً

الوثنية تسعى دائماً لإزالة الفروق بين حياتنا المادية و الروحية اللتان اتسعت الفجوة بينهما بسبب ما مر به عالمنا من مآسي و صراعات دينية عدة.

في الواقع إن الشعوب التي حصلت أعلى نسب الذكاء IQ الأعلى من أمثال كوريا الجنوبية و اليابان هي شعوب تؤمن بالطالع و السحر و الحظ و تحقق أعلى نسب لزيارة المعابد و الأضرحة الوثنية لذلك من المألوف أن تجد طالب جامعة يابانياً يضع أوماموري/تعاويذ حظ على حقيبته و يؤمن بالأساطير
و نجد هذه الشعوب علمانية و ليس لديها أي مظهر من التعصب الديني مع ذلك تجدها تجسد مظاهر إيمانها بالآلهة و الأرواح ليس فقط في الحياة اليومية بل حتى في الانيمي (الرسوم المتحركة اليابانية) و المانجا (القصص المصورة اليابانية)

إن هذا الدمج الذي لطالما عاش عليه أجدادنا الأوائل و الذي أضفى طابعاً مقدساً حتى على العلم سمح بقيام الحضارات العظيمة التي نعرفها اليوم.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق