الاثنين، 9 سبتمبر 2019

الوثنية و البيئة : على خلفية ما يحدث من كوارث


قد سمع أغلبنا بما يحدث في غابات الأمازون من حرائق تأكلها و تقتل الحياة الغزيرة التي تعيش في نظامها البيئي الذي يعد من أغنى النظم البيئية على اليابسة , و قبل البدء بطرح الأفكار حول الوثنية و البيئة إليكم بعض التفاصيل المهمة.
غابات الأمازون تسمى برئة الأرض و ذلك لدورها الكبير في امتصاص انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون و إعطاء الأكسجين إلى الجو , الأكسجين الذي نحتاجه لتنفسنا , و بمفردها فإن غابات الأمازون تعطي حوالي 20% من مجمل الأكسجين على كوكب الأرض و تضم تنوعاً بيئياً هائلاً مقارنةً بالعديد من النظم البيئية على اليابسة إذ تضم حوالي 2.5 مليون نوعاً من الحشرات , أكثر من 40 ألف نوعاً من النباتات , 16 ألف نوعاً من الأشجار , 2200 من الأسماك , 1294 من الطيور , 427 من الثديات , 428 من البرمائيات , 378 من الزواحف , و هذه هي الأعداد المسجلة حالياً علماً أنها قابلة للازدياد مع كل اكتشاف جديد لها.

مع كل هذه الأهمية فإن الأمازون معرضة للخطر بسبب الحرائق الهائلة التي تحدث , و ليس فقط الأمازون , بل العديد من الغابات حول العالم , فمؤخراً احترقت غابات عديدة حول العالم , في سيبيريا , اليونان و تركيا و غيرهم الكثير...

فما هو السبب ؟

لقد تنامت و تزايدت الأحزاب اليمينية المتطرفة في العالم , فمن سياسات ترامب المعادية للبيئة و التي تنادي بعدم الاعتراف بالاحتباس الحراري (الخطر الأكبر الذي يهدد وجودنا اليوم) و إيقاف النشاطات العلمية التي تثبت وجوده و القيام بحرق الغابات و تدميرها لاستخراج النفط و التسبب المزيد من الانبعاثات الضارة التي ستزيد حرارة كوكبنا تدريجياً و تؤدي إلى فناء الحياة عليه , كله في سبيل السيطرة على الاقتصاد العالمي , إلى البرازيل التي رأسها منذ 1 كانون الثاني لعالم 2019 اليميني المتطرف جاير بولسونارو و الذي تعهد -بكل وقاحة- بتدمير مواطن السكان الأصليين للبرازيل لكونهم -حسب وصفه- بدائيين , فقراء , و بدون حضارة , إذ أكد في العديد من خطاباته العنصرية أنه سيدمر تلك الغابات في سبيل استخراج معادنها الثمينة , الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على التنوع الحيوي و ازدياد حدة الاحتباس الحراري في العالم , هذا و قد ازداد نسبة اقتلاع الغابات في عام 2019 منذ أن استلم الرئاسة بنسبة 88% عن العام السابق.


الوثنية ترشدنا نحو التناغم مع الطبيعة و الآلهة

ما علاقة كل هذا بالوثنية ؟

السياسات اليمينية المتطرفة (Far Right Policies) هي سياسات محافظة شديدة التطرف , في الغرب تأخذ الشكل المسيحي , إذ أن الأحزاب اليمينية و اليمينية المتطرفة التي ينتسب لها كل من ترامب و جاير تنادي بأفضلية الديانة المسيحية و العرق الأبيض و سياسات الحد من الهجرة و بأفضلية الرجل على المرأة و اضهاد المثليين و كذلك عدم الاعتراف بالمشكلات البيئية و الانسحاب من المنظمات البيئية و خاصة التي تهتم بإيقاف الاحتباس الحراري , و ذلك لأن الدول المتقدمة تبحث عن بدائل للوقود الأحفوري و النفط , متمثلة بالطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية و طاقة الرياح اللتان لا تسببان الأذى للنظام البيئي , لكن الأحزاب اليمينية الغربية ترى ذلك عقبة في طريق سيطرتها على النفط و بالتالي على الاقتصاد و سياساتها الاستعمارية , و كونها أحزاب مسيحية فإنها ترى السكان الأصليين الذين في الغالب يتبعون الديانات الوثنية الأصلية لهم عقبة في طريقهم إذا أن أولئك السكان يرون في بيئتهم المحلية و غاباتهم أماكن مقدسة يجب احترامها و حمايتها و لهذا يخوض العديد منهم في مسائل قضائية و محاكم ضد شركات النفط العالمية لحماية أراضيهم , و منهم من ربح تلك القضايا كما حدث في قضية إحدى قبائل الأمازون التي ربحت قضية ضد شركة نفط في الإكوادور و التي تضم مساحة من غابات الأمازون , مما أدى إلى حماية مساحة 7 مليون فدان من أراضي الغابة , إن الدفاع المستمر للسكان الأصليين عن الطبيعة و الغابات يثير غضب تلك الشركات و الأحزاب التي تقف وراءها مما يدفعهم للقيام بأفعال ملتوية كافتعال الحرائق بشكل متعمد (كما حدث في حرائق الأمازون الأخيرة التي أشارت إليها امرأة من السكان الأصليين بأنها حوادث مفتعلة و متعمدة) , و يبدوا أن عقلية تلك الأحزاب بأفضلية المال و الاستعمار غير قادرة على فهم العقلية الوثنية التي تنادي بحفظ التنوع و تقديس الطبيعة و البيئة , و على ما يبدو فإن جاير قد نسي أن الوثنيين الذي سكنوا المنطقة قبل الاستعمار الغربي قد أنشؤوا العديد من الحضارات التي مازالت آثارها باقية حتى اليوم و التي استطاعت الازدهار و التعايش مع الطبيعة بنفس الوقت.

موقف الوثنية

الوثنية تؤمن بقداسة الطبيعة و بحيوية كل ما عليها , و لطالما حيكت الأساطير حول ألغاز الطبيعة التي تدب في نفس الإنسان التبجيل و في عقله و قلبه الحكمة , و على عكس بعض الأديان التي ترى أن الإله يترفع عن السكن قرب خليقته فإن الوثنيين القدماء لطالما آمنوا أن الآلهة تسكن في نفس الطبيعة التي يسكنوها , و أن الأشجار و الأنهار و الينابيع و الجداول و السهول و الحقول لها أرواح و تنسج حولها القصص , لذلك نجد أنه إلى اليوم الأديان الوثنية التي بقيت مستمرة كالشنتو و الهندوسية فإن العديد من أماكنها المقدسة هي أنهار و أشجار و غابات , و هذا هو ما نحتاجه , أن تصلنا أدياننا بالطبيعة لا أن تبعدنا عنها , و أنه علينا كبشر , كقوة فاعلة على الأرض أن نحمي الطبيعة و نقدسها , في مواجهة التصحر و التلوث و الأعمال التخريبية و غيرها... لأن الأرض هي موطننا الأقدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق