الاثنين، 14 أكتوبر 2019

الوثنية ضد العنصرية


عند البحث عن مصطلح أو كلمة "وثنية" بالمحتوى العربي على محركات البحث فإن نتائج البحث ستكون مقالات تستخدم كلمة الوثنية كصفة سيئة و كوسيلة للتنكيل بين أصحاب الديانات الإبراهيمية تجاه بعضهم , كأن تجد مقالاً كتبه مسلم ينعت المسيحية بأنها وثنية أو مسيحياً ينعت الإسلام بالوثنية أو ملحداً يفعل المثل , علماً أن كل الأديان في عصرنا هي ذات جذور وثنية إلا أن هذا موضوع مختلف الآن.
لكن مقالاً مكتوباً على الموقع الرسمي لقناة الجزيرة يلفت النظر أكثر من غيره , مقال يتناول الوثنية و علاقتها بالحركات العنصرية اليمينية في أوروبا , و نحن لا نستغرب أن نرى كمية تشويه الحقائق تلك على موقع الجزيرة , لذلك فإنه من المناسب الآن مناقشة و كشف الغطاء عن الحقيقة لنرى بعين الوضوح أن علاقة الوثنية بالعنصرية هي علاقة ضد , لأن الوثنية تقف في جوهرها ضد العنصرية تماماً.

لنبدأ بالقول بأنه لا يوجد دين أو مذهب أو توجه لاديني أو نمط حياة و غيرها.. يخلو أتباعه من مشاكل , لذلك كما يمكن لنا أن نجد بعض الوثنيين المتعصبين أو العنصريين فإننا سنجد حتماً ملحدين يفعلون المثل , سنجد نباتيين ارتكبوا جرائم قتل , سنجد رياضيين ارتكبوا أعمالاً تخريبية , سنجد يساريين متطرفين و يمينيين منخرطين بأعمال الشغب...

لكن هل يمكن أن نقول أن النباتية كنمط حياة و توجه أخلاقي تدعو للقتل فقط لأن بعض النباتيين ارتكبوا جرائم قتل ؟ أم هل نقول أن الإلحاد يدعو للاغتصاب مثلاً فقط لأن بعض الملحدين قاموا به ؟ بالطبع لا , لا يمكن أن نقول أن هذه التوجهات تدعو لذلك فقط لأن بعض أتباعها فعلوها , لأن هذه التوجهات كالوثنية لا تملك شرائع , فقط إن وجدت شريعة تدعو للقتل أو للتمييز العنصري و نرى أن ديناً معيناً مبني على تلك الشريعة و يدعو لتطبيقها , فقط حينها يمكننا أن نحكم أن ذلك الدين عنصري و يحرض على القتل و هذا ليس حال الوثنية أبداً لأن الوثنية لا شرائع لها من الأساس.

و رغم أنه لا شرائع للوثنية , فإننا بإلقاء نظرة شمولية عليها يمكننا أن نحدد معالمها كديانات حضارية و ندرس العلاقة بينها و بين العنصرية لنرى أن الإثنان غير متوافقين أبداً و أن الوثنية تقف موقف الضد من العنصرية.

العنصرية هي تمييز و ادعاء فوقية و أفضلية عناصر من المجتمعات البشرية على بقية العناصر و ذلك على اعتبارات مثل العرق , الإثنية , الدين , القومية و غيرهم...
أو بطريقة أخرى هي استحقار أحد عناصر المجتمع و التمييز ضدهم بسبب تلك الاعتبارات ذاتها , و من أشهر الأمثلة التاريخية التمييز الديني الذي قام و يقوم به اليهود و المسيحيون و المسلمون ضد الوثنيين و كذلك التمييز العرقي الذي قام و يقوم به ذوي البشرة البيضاء ضد ذوي البشرة السوداء.

أما الوثنية فهي مصطلح مظلي يضم الديانات التي مارستها الشعوب منذ نشأتها و لها سمات مشتركة كالتعددية (عبادة الكثير من الآلهة) و غيرها..

و الديانات الوثنية هي ديانات غزيرة التنوع , تتنوع من منطقة لأخرى و من شعب لآخر و يرى الدين الوثني الواحد أن الدين الوثني الآخر صحيح تماماً رغم الاختلافات و أن آلهة الشعوب الأخرى حقيقية و أن ممارسات الشعوب الأخرى سليمة و لا ترى فوقية نفسها على بعضها بل لطالما تأثرت الشعوب بأديان بعضها و انتقلت عبادة آلهة معينة من شعب لآخر , لذلك فإنه من الواضح أن الوثنية تحتفل بالتنوع الغزير لها و بكثرة التقاليد و الممارسات و المعتقدات على اختلاف الشعوب و تعددهم , فالوثنية ترى أن اختلاف الشعوب ليس خلافاً , بل على العكس هو تنوع جميل , ألوان متعددة تلون عالمنا , و لا تفرض لوناً أو ديناً أو إثنية أو قومية معينة على كل الشعوب فتمحو الألوان و تبدد السلام.

إن العنصرية التي ألصقها المقال على موقع الجزيرة يتسم بها قلة قليلة من الوثنيين , يكفي لمعرفة ذلك أن نشاهد ردود فعل الوثنيين على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى بمهرجان الفخر الوثني في الغرب ضد العنصرية لنعلم مقدار السلام الذي يحمله أولئك في قلوبهم تجاه الآخرين , إن العنصرية التي ذكرها المقال هي بسبب بعض اليمينيين المتطرفين في أوروبا و إن تلك العنصرية سببها سياسي بحت و ليس وثنياً , لكن أولئك العنصريين قاموا باستغلال الوثنية و إلباسها كثوب لعنصريتهم لإضفاء الشرعية عليها , بينما الوثنية في لبها و جوهرها , لا تتفق مع العنصرية أبداً , لا تاريخياً و لا في الوقت الحاضر , و سنبقى كوثنيين نحتفل بالتنوع و نقوم بحمايته.

الصورة أعلاه هي أحد الشعارات التي يرفعها الوثنيون و تحديداً الهيثينيون ضد العنصرية تحت ما يسمى HUAR (Heathens United Against Racism) أي (الهيثينيون متحدون ضد العنصرية العرقية) و هي حركة وثنية ينتمي المشاركون فيها إلى الهيثينية أو الديانات الوثنية الجرمانية بهدف مواجهة التطرف و العنصرية و الفاشية و النازية الجديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق