السبت، 15 أغسطس 2020

هل نحتاج الآلهة في عصرنا المتقدم ؟


يبدو عالمنا متجهاً نحو مزيد من التقدم التكنولوجي و الاقتصادي و العسكري لدرجة أننا نقف في لحظة معينة و نتساءل عن أهمية الآلهة و موقعها في هذا العصر.
الطب تقدم جداً لدرجة تجعلنا نعتقد أنه لا داع لآلهة الشفاء
و الآلات تحقق المعجزات فلا داع لآلهة العلم و السحر
و الأمن و السلام تحققهما العلاقات الدولية فلا داع لآلهة السلام
الإنسان أصبح إله عالمه و هو متخذ القرار الأول و الأخير

إن كنت تعتقد و تؤمن بما قيل أعلاه فأنت حر و هذه معتقداتك التي لا شأن لأحد بها سواك ، و لكن إن كنت تتساءل باحثاً عن أجوبة عن تلك التساؤلات فهذا المقال قد يوفر لك بعض الإجابات :

الإله اليوناني هيفستس (الروماني ڤولكان) إله التكنولوجيا
1- لطالما كان العلم يتقدم و كان للآلهة دائما موقع في تلك العملية :
إن نظرنا إلى الحضارات القديمة كسوريا و العراق و مصر و اليونان و ليبيا و الأزتك و الصين و الهند نجد أن هذه الحضارات العظيمة عرفت العديد من الاختراعات و التقدم التكنولوجي ، بالطبع كما نرى اليوم القدرة على شحن الهواتف مباشرةً من ضوء الشمس هو أمر مذهل و مفيد فبالنسبة لديهم كان اختراع الكتابة أو ابتكار الأدوية أو اختراع البوصلة هو الأمر المذهل فكل شيء نسبي , لكن بالنسبة لهم كانوا قادرين على ربط هذه الابتكارات بالآلهة ، فهي من أنعمت عليهم و وجهتهم و ألهمتهم و هذا ما أعطى لتلك الابتكارات قدسية و جعل الإنسان مرتبطاً باختراعاته و أبسط مثال هو الكتابة إذ كانت ترى كعملية هامة و ترتبط بالعديد من الآلهة كالإله ثوث المصري ما دفع المؤمنين إلى التفكر بها و السعي نحو تطويرها : لأن الاعتقاد بوجود قور روحية و لغزية محيطة بها ستحفز العقل البشري لسبر أغوارها أكثر ، في حين أننا نرى الاختراعات اليوم كوسيلة ربحية و أحياناً تبتز الأمم بعضها بها. الفكرة هي أن القدماء كانوا على درجة متزايدة من العلم و مع ذلك آمنوا بالآلهة ، فالتطور التكنولوجي ليس سبباً لنا كي نتوقف عن الإيمان بالآلهة ، بل الإيمان بالآلهة هو سبب لكي نحترم و نقدس الفكر البشر الخلاق و المبدع

ممارسوا مذهب الشوجيندو في اليابان و الذي يركز على عبادة الجبال و الطبيعة

2- إنهم هنا كي يذكرونا أننا نتمي لشيء أقدم و أعمق :
حضارة الإسمنت قابلة للزوال بسرعة ، هذه المباني و الشركات و الوظائف تعطينا شعوراً بالخوف ، علينا أن نكون متأهبين و متعجلين كي نجد موطئ قدم لنا في عالم التنافس القاسي ، لكن الترانيم في الديانة السورية ، المانترا الهندية ، التسبيحات المصرية ، الإنشادات اليونانية... هنا لتذكرنا أننا نتمي لرحم الأرض و وسع السماء ، أننا أقرب لنبع الماء و لروحه و للبحر و إلهه و الطبيعة و أمها ، نحن نتنفس الهواء ذاته الذي استنشقه الأجداد و حرقوا بجوه البخور و هللوا و سبحوا للآلهة ، إن إله الجبل يخبرنا بهيبة منظر الجبل بأننا مزروعون في هذه الأرض أمنا و أننا نتشارك مع كل الخلائق هذا الوطن الكبير الذي يكبر حضارة الإسمنت بملايين السنين

صلاة هندوسية

3- نحتاج المعجزات :
رغم كوني شخصاً شكوكياً لأبعد الحدود و أحتاج الكثير ليتم إقناعي بحدوث حادثة لا يتم تفسيرها بوسائل القياس العادية إلا أنني شهدت و سمعت و رأيت و قرأت عن الكثير من القصص و بعضها التي حصل لي شخصياً و التي تخبرنا أن هناك المزيد مما لا نقيسه بالمسطرة و مقياس الحرارة ، الطب ما زال عاجزاً عن علاج بعض الحالات لكنك لو سألت ستجد حتماً من يخبرك أنه بزيارة لمكان ديني تم شفاؤه هو أو شخص ما يعرفه ، هناك أناس و أطباء يدونون هذه الحوادث و مواقع إنترنت عديدة مخصصة لهذه الأمور ، و لكن لا تبتعد كثيراً ، إسأل جدتك أو جدك أو أحد المحليين في مجتمع و ستجد الإجابة ، بالنسبة لي كمؤمن بالآلهة لا بد و أني قمت بالعديد من طقوس الشفاء و أحسست بنتيجتها بل و ساعدت أصدقاء لي من أديان أخرى و أخبروني بتحسنهم المفاجئ ، بالطبع إنه ليس بديلاً عن الطب العلمي و الذي يعتبر أساساً مرتبطاً بالآلهة (مثلاً الإله اليوناني أسكليبيوس) و لكن له العديد من الفوائد التي تستحق التجربة.
بالإضافة للشفاء فالعديد من "المعجزات" -إن ارتحتم للتسمية- تتحقق عندما نفتح عقولنا و قلوبنا للآلهة ، و يبدو أننا كبشر في حاجة فطرية للمعجزات و خاصة في أوقات الشدة و اليأس كأنها صرخة الروح للقوى الخفية في الكون

كل شيء يتكلم.. عليك أن تنصت فقط

4- العلم يذهلنا و يفتح لنا آفاق كثيرة للمعارف :
مؤخراً اكتشف العلماء أن الأشجار و النباتات "تتكلم" عبر شبكة من الجذور تحت الأرض ، بل و حتى أن الأشجار ترتب لنفسها نظماً اجتماعية كأن يكون هناك شجرة أم لعديد من الأشجار ، و الكثير من الحيوانات تم رصدها تقوم بطقوس دينية بشكل أو بآخر ترقص و تدور حول بقعة مقدسة لها و تصيح في أوقات معينة من دورة القمر ، إننا نكتشف أن الإيمان بالآلهة و التي تجسد عنصار الطبيعة و عطاء الأرض هو شيء فطري حتى بالنسبة للكائنات الأخرى و أن معتقد الإحيائية (Animism) الذي يعتبر أحد أحجار الأساس في الوثنية و القائم على الإيمان بحيوية كل الكائنات و الأشياء هو حقاً صحيح

A
الشمس و أشعتها الذهبية مصدر للتفاؤل و الابتهاج

5- الإيمان راحة و حاجة و ارتقاء ، و أنت تخلق المعنى لممارساتك الروحية :

لا يمكنني أن أبدأ يومي بدون أن أسجد جهة الشمس و أتبارك بأشعتها (أنا أتبع الديانة السورية لذا فأصلي للإلهة شبش أو الإله شمش) ، هذا يعطيني راحة فائقة و قدرة على استكمال يومي ، يجعلني أشعر بالحتواء و الإنتماء و الثبات ، بالطبع لا يمكنني أن أعطي تفسيراً علمياً و لكن هل يحب علي أن أعطي أساساً ؟ هل يقاس جمال لوحة بالمتر أو بالكيلوغرام أم بمدى تأثيرها بروحك و نفسك ؟ نور شبش يمثل لي الدفء و الحياة و الخلاص و المعرفة ، هذا المعنى الذي تعطيه الشمس و الذي أحس به ، إنه يساعدني و يقويني فلماذا أبتعد أو أتوقف عنه ؟ إني لا أحصل على هذا الشعور من ضوء مصباح عادي و لو كان بتوهج الشمس أو لونها ، إن الشمس لذاتها هي من تعطيني الشعور بالامتنان نحو العالم المقدس


أتمنى أن تكون هذه المقالة قد وفرت لكم بعض الأجوبة ، و بالطبع هناك العديد من النقاط التي لم أتحدث عنها بعد و لكن المهم أن نكون منفتحين و ألا نتعجل لقياس كل شيء بنفس الطريقة فلكل ثوب جسد يليق به و لك جسد ثوب يناسبه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق