الخميس، 22 نوفمبر 2018

سبب تعدد المذاهب الوثنية


في المقال السابق تناولنا أشهر المذاهب و النظرات الوثنية للآلهة و في هذا المقال سنتحدث عن سبب هذا التنوع الكبير بين الوثنيين.

إن الديانات الوثنية تصنف على أنها Orthopraxy (تعني "التصرف الصحيح") أي ديانات تركز على الممارسة و التجارب الشخصية بين الإنسان و العالم الروحي و الطبيعي من حوله (أي طالما أنك تمارس دينك و طريقك الروحي بشكل سليم ينفعك و يوصلك للإرتقاء فلا يهم المذهب أو الطريقة التي تنظر بها و تعرف بها عن إيمانك) , على عكس الأديان الإبراهيمية التي تصنف على أنها Orthodoxy التي تعني أنها تركز على اتباع نصوص و إرشادات و طقوس حرفية إلى أقصى درجة , و هذا فرق جوهري , عندما يكون الدين اتباع شرائع و نصوص و كتب غير قابلة للتغير ينتج لدينا فكر منغلق على التجربة الشخصية مع المقدسات من حولنا و يمسي الدين روتيناً متّبعاً , و رغم هذا نجد في الديانات الأورثودوكسية العديد من الطوائف , لكن نلحظ بينها اقتتالاً كبيراً على من هو على حق و يمسي الدين مرةً أخرى مدعاة حرب و نزاع , إن الاختلاف لا مفر منه و هذا ما لا تفهمه العقليات الأورثودوكسية , هناك على الأرض حالياً حوالي 7 مليارات إنسان , من غير المعقول بل و من المستحيل عملياً أن يحمل كلهم نفس الفكرة و نفس الدين و نفس النظرة الروحية.

إن الأديان الأورثوبراكسية مثل الديانات الوثنية لديها حلّ جذري , الاختلاف ليس خلافاً , بل تنوع , و تنوع جميل و واسع يتقبل الجميع , بغياب شرائع متزمتة يغدو الدين طريقاً روحياً بدل أداةٍ تتحكم بها مطامع و تستخدم في التسييس , إن طريقي الروحي مختلف عن طريقك , و ربما لا يوجد شخصان وثنيان يحملان نفس الفكر تماماً , و بالتأكيد لدينا تجارب مختلفة , و هذا ما كان منذ القدم , عاش البشر على الأرض و قد كانت الديانات الوثنية هي الديانات الوحيدة و مع ذلك لم نسمع قط عن حروب دينية بهدف فرض دين و تكفير دين في تلك الحقب الغابرة , بل إن في المجتمع الواحد الذي يتبع ديانة وثنية معينة ظهرت طوائف صغيرة بمذهب وثني مختلف عاشت بسلام و تقبل تام , طبعاً لا يمكن القول أن الناس كانوا يعيشون في كمال تام أو يوتوبيا مثالية , لكنهم كانوا قريبين إليها إلى أكثر حد يمكن بهذا الخصوص.

و في ظل اختلاف البيئات و تباعدها طور البشر علاقات مختلفة مع الطبيعة و مع الآلهة , ثم تواصلت الشعوب و بدأت حركة نقل معرفي من ضمنها المعتقدات الروحية و بدأت الشعوب تتعرف على ثقافات مختلفة ثم تقدم الزمن و ظهرت مفاهيم جديدة و أسلوب حياة جديد , إن الوثنية لم تكن بمعزل عن هذه التغيرات التي طرأت بل على العكس تغيرت معها , في النهاية هي ليست قانوناً ثابتاً أو شريعةً ترفض التغيير , بل هي علاقة روحية تتكيف مع التغيير بل و في حالات معينة تقود التغيير نفسه كأي عنصر ثقافي , يمكن أن نعطي أمثلة كثيرة على التنوع الكبير في المذاهب و النظرات الوثنية , مثلاً , هناك من يعتقد أن الآلهة كنايات لأن هذا يناسب تفكيره و آخر يعتقد أن الآلهة كيانات لأن هذا يناسب تفكيره , و بغض النظر عن أيهما قد يكون في الحقيقة أصح فإن كلاهما يقومان بتقديس الآلهة سواء ككنايات أو كيانات و بنظري فإن الآلهة لا يهمها حقاً من أي مذهب تنظر إليها أو تسميها طالما أنك تقوم بالتواصل معها سواءً اعتبرتها كنايات تمثل القوى الطبيعة و المفاهيم البشرية أو سواءً اعتبرتها كيانات و أرواح , الحقيقة نسبية في النهاية.

و هذا هو سبب التنوع , أن كل شخص أو جماعة من البشر يناسبها مذهب معين أو دمج عدة مذاهب سويةً لأن هذه الطريقة توصلهم إلى الارتقاء بأنفسهم روحياً و تحقق لهم الرضى و لأن توحيد الناس على مذهب معين لن يجلب سوى المشاكل , و هذا ما تسعى الوثنية إلى تفاديه تماماً.

تركز الوثنية , بالإضافة إلى تقديس الطبيعة الكبيرة و الآلهة الكبرى مثل السماء و الشمس و القمر و النجوم و آلهتها أو أرواحها ما يعطي الوثنية صفة تشترك بها الديانات الوثنية حول العالم , تركز كذلك على الطبيعة و الآلهة و الأراوح المحلية , الجبل الذي تعيش عليه القرية أو الوادي , الشلال أو النبع , الهضبة الصحراوية , المناخ و الطقس في المنطقة , الغابة و الصخور... هذا يعني أنه من الطبيعي أن نجد اختلافاً و تنوعاً في الأساس ما يعطي الديانات الوثنية إضافة إلى الصفات المشتركة , صفاتاً مختلفة كذلك تميزها عن بعضها البعض , و كيف ينظر الوثني نفسه إلى دينه أو طريقه الروحي , هو شأنه الخاصة وحده و المهم أنه يرتقي به و يحقق له الرضى , الناس مختلفون كثيراً و كذلك أفكارهم و طرقهم و عقلياتهم , و الوثنية ليست بمنأىً عن هذا الاختلاف , بل تتماشى و تتكيف معه و هذا ما يجب إدراكه كي نتخلص قدر الإمكان من الأفكار التي تسبب العداوة بيننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق