الأحد، 6 يناير 2019

أهمية الأساطير في الديانات الوثنية


تعتبر الأساطير جزءاً مهماً من الديانات الوثنية خاصةً القديمة منها , و الأسطورة هي

حكاية مقدسة تهدف إلى تقديم تفسير للعالم أو لظاهرة معينة.

يعتبر الكثيرون أن الأساطير لا قيمة لها في عصرنا الحالي و أنها محاولات بدائية لفهم العالم تم استبدالها بالعلم الحديث و أن أي محاولة للأخذ بها هو تصرف جاهل.

لا جدل أن العلم يقدم تفسيرات حول العالم و بنفس الوقت الأسطورة و التي هي أحد أسلاف العلم الحديث لها خصائصها , نحن الوثنيون نعلم كيف يسير العالم من حولنا من بديهيات العلم المعروفة , الليل و النهار و الأمطار و السيول و الفيضانات و الزلازل و غيرها... و بنفس الوقت لا نجد مانعاً من أخذ الأساطير بعين الاعتبار , في الواقع هذا ما حدث تاريخياً , كثير من العلماء القدماء الذين قدموا تفسيرات علمية للعالم من حولهم كانوا يؤمنون بالآلهة و بالأساطير كذلك , لأن الأسطورة يمكن فهمها عن طريق الرموز , إنها من طبيعة البشر أننا نجد القصص جذابة و مفهومة أكثر من الطريقة المباشرة و أكثر شاعرية و تلتصق بالذاكرة أكثر , و الأساطير إضافة إلى وظيفتها بتقديم تفسير مرمز , فهي تقدم معنى روحي.

لا بد أنه كان من الناس  قديماً من يأخذ الأساطير بشكل حرفي , لكن كان هناك الكثيرون من يفهمها بطريقة الألغاز و الحكم , و إن أحد دلائل ذلك هو أن العديد من الأساطير لها نسخ مختلفة , تفرق عن بعضها في عدة تفاصيل و تتشارك في الجوهر , إيمان الناس قديماً بالأسطورة بعدة أشكال و باختلافات هو دليل أنهم كانوا يعرفون أن الأسطورة هي حكاية ملغزة و ليست نصاً حرفياً.

سيتم تخصيص قسم في هذه المدونة لفهم الأساطير و محاولة فك ألغازها لتقديم معنى روحي , في الواقع هناك بعض الأساطير التي تتوافق مع العلم , و طبعاً نحن لا ندعي وجود إعجاز علمي أبداً فالأساطير كما يفهمها معظم الوثنيون هي مؤلفات بشرية و ليست وحياً إلهياً لذلك وجود حقائق أو أخطاء هو أمر مبرر , لكن الأمر يعكس إلى أي مدى من المعرفة استطاع أجدادنا الوصول عن طريق التأمل و التفكر بالطبيعة و الحياة روحياً و كذلك القصص الملغزة , مثلاً الهندوسية لديها ثلاث قصص عن نشأة الكون كلها مقبولة علمياً إلى درجة كبيرة.

و لكن حتى يتم تخصيص القسم , إليكم هذه الأمثلة المختصرة عن الأساطير الوثنية :

1- أسطورة الإلهة آماتيراسو اليابانية : تحكي القصص اليابانية أن الإلهة آماتيراسو إلهة الشمس أغلقت على نفسها بحزن (بسبب حادثة معينة) مدخل أحد الكهوف و انعزلت عن العالم ما أدى إلى خبو نورها (نور الشمس) فبدأت الحياة بالاضمحلال ثم بدأ مجمع الآلهة بمحاولة إخراجها بشتى الوسائل من تقديم هدايا و غيرها , إلا أن الإلهة بقيت في الكهف حتى أتت الإلهة آمي نو أوزومي نو ميكوتو إلهة الفجر و الرقص و الخصوبة و كشفت عن ثدييها و بدأت بالرقص فامتلأ الجو بروح المتعة فبدأ بقية الآلهة بالتصفيق و عمت الأهازيج بينهم و من فضولها , خرجت الإلهة آماتيراسو من عزلتها منجذبة بقوة الفرح التي اشتدت خارجاً و عادت الشمس لإشراق نورها المقدس في العالم و بالتالي عادت الحياة له.

يمكن أن نفهم من هذه الأسطورة عدة أشياء , أهمية الشمس و قدرتها على الإنماء و دورها في استمرار الحياة لكل الخلائق و كذلك القوة الأنثوية للمرأة و قوة الرقص و تعطينا فكرة عن تقديس العالم القديم للمرأة كمعطية للحياة و كعماد لها و كيف أن ما يراه أغلب البشر اليوم كعورة محرمة كان بالنسبة للوثنيين مقدساً قد حفظ الحياة يوماً و أن وقت الفجر المرتبط بالإلهة له أهمية روحية كبيرة فنور الشمس فجراً الذي يعلن طلوعها يمثل قيام الخلائق و البشر منهم و نهوضهم لإكمال حياتهم و أعمالها و بدأ نشاطاتهم.

2- أسطورة الإلهتين ديميتر و ابنتها بيرسيفون اليونانيتين : اختطف الإله هاديز إله العالم السفلي الإلهة بيرسيفون إلى عالمه و أطعمها من فاكهة ذلك العالم ما جعلها حبيسته مما أحزن الإلهة ديميتر إلهة الأرض و الزراعة و أم الإلهة بيرسفون التي بدأت تجول العالم كله بحثاً عن ابنتها إلى أن أخبرها الإله هيليوس إله الشمس المطلع على كل شيء عما حدث , فذهبت الإلهة ديميتر إلى شقيقها الإله زوس ملك الآلهة كي يتواسط لابنتها كي ترجع من عند هاديز عريسها الجديد , فوافق هاديز على أن تعود بيرسيفون لزيارته ، و عندما يحدث هذا (أي عند زيارتها له) تحزن الإلهة ديميتر على ابنتها فتذبل الأرض و يحدث فصلي الخريف و الشتاء ثم عندما تعود الإلهة بيرسفون إلى أمها تبتهج بذلك معلنة بدأ فصل الربيع.

هذه الأسطورة تفسر حدوث فصل الخريف , فالأرض (ديميتر) تفقد ابنتها (بيرسيفون - عروسة الأرض) إلى العالم السفلي (هاديز) الذي يمثل هنا الفناء و الموت فتهرم الأرض (تذبل) من حزنها فيما ما يعطيها البهجة مدفون (كالبذار) في جوف الأرض (هاديز) حتى تعود ربيعاً لتعطي البهجة لأمها (نمو البذور و إزهار الأرض)

كذلك فإن الإلهة بيرسفون هي عروسة الأرض و الفناء تمثل عملية الانتقال من الحياة للموت و من الموت و الحياة التي تسمح بإعطاء جيل جديد من الخلائق , و هي إلهة مهمة جداً لدى الوثنيين اليونانيين.

3- السباق بين غانيشا و موروغان :

طلب الإلهان شيفا و بارفاتي من ابنيهما أن يدورا العالم كله ثلاث مرات و من يعود أسرع ستتم مكافأته , بدأ موروغان رحلته بسرعة حول العالم ، بينما حدق غانيشا بمحبة تجاه والديه و طاف حولهما ثلاث مرات , تفاجأ الوالدان في البداية و عندما سألاه عن سبب فعله ذلك قال لهما أن العالم بالنسبة لشقيقه هو العالم الخارجي أما عالمه فهو والداه ، حينها فهم الإلهان فلسفة ابنهما و كافآه ، و اعتبراه تجسيداً للحكمة.

هذه الرمزية و النسبية في التفسير تقود من فهم مادي للعالم إلى فهم مقدس أكثر روحية فما كان عالماً بالنسبة للإله الأول كان مادةً بالنسبة للآخر الذي رأى العالم في والديه اللذين يحملان أسرار الحياة.

بهذا نرى أن الأسطورة ليس بالضرورة أن تؤخذ كحدث تاريخي أو كنص حرفي , بل كحقيقة أو فلسفة روحية أو كحكايا تحمل في طياتها معانٍ هادفة , رغم أنه في حالات كان لها صحة تاريخية و علمية ، مثلاً :

4- في جزيرة متوسطية وجدت ساحرة (ابنة الإله هيليوس) حولت عن طريق وصفة سحرية فرقة من الجيش اليوناني إلى حيوانات بعد أن أطعمتهم الوصفة ، استطاع أحد الرجال الهرب إلى قائد الفرقة الذي لم يكن معهم حينها و أبلغه بما حدث فسارع إلى بيت الساحرة , عندها ظهر الإله هيرمس و أعطى القائد نبتة سحرية تلغي ما قامت به الساحرة و بالفعل لم تعمل تعويذتها عليه و أنقذ بعدها أفراد فرقته , تم اكتشاف أن في تلك الجزيرة نبتة تؤدي إلى هلوسات لمن يتناولها و قد يظن أنه حيوان هذه النبتة اسمها Jimson Weed ، و كذلك فإن النبتة التي أعطاها الإله هيرمس للقائد وصفت بأنها ذات جذور سوداء و بتلات كالحليب من المحتمل أن تكون نبتة Snowdrop التي لها فاعلية في التخلص من السموم و النسيان. لمزيد من المعلومات يمكنكم مشاهدة الفيديو.


الخلاصة أن الأسطورة مهمة لأنها تمثل عملاً فكرياً و قصة مقدسة تهدف إلى تفسير العالم بطريقة ملغزة , هذا التفسير يقود إلى تنوع و إثراء المذاهب الروحية الوثنية و فهم الأسطورة يتطلب حكمة , كذلك فإنها ليست موجودة بهدف الأخذ بها كنص تشريعي , و هي كذلك تختلف عن الطيرات و المعتقدات و الممارسات الشائعة لدى الشعوب و التي تنم عن لامنطقية , كذلك فإنه عندما يتم وصف الآلهة بالأسطورة بأوصاف كالغضب مثلاً , فقد يعني كوارث طبيعية أو عواصف... موت إله و إعادة مولده تعني تعاقب الفصول أو مرور فترات من القحط ثم الانتعاش...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق