السبت، 23 مارس 2019

الوثنية مقابل معتقدات "العصر الجديد" و "الفكرة الجديدة"


هل سمعت يوماً بمصطلح العصر الجديدة و مصطلح الفكرة الجديدة (أو الفكرة العليا) ؟ إن لم تكن قد سمعت بهذين المصطلحين إلا أنه على الأغلب قد سمعت بأفكار تخصهما , من أشهرها "قانون الجذب" و كذلك "الشفاء بالطاقة و الكريستال" و حتى الإيمان بـ"مخلوقات فضائية" أو بألوهيتها , سنتعرف في هذا المقال عن الفرق بين الوثنية و هاتين الحركتين.


حركة/ديانات/معتقدات العصر الجديد هي حركة دينية ظهرت في سبعينات القرن الماضي , و تطورت حتى تعطي شكلها الحالي الذي أثر أو بالأحرى "تدخل عنوة" في الكثير من أفكار هذا العصر , و أما حركة الفكرة الجديدة فهي حركة أو مجموعة معتقدات تقول بألوهية كل شيء و أن المرض سببه أفكارنا السلبية و الثراء و الصحة سببها أفكارنا الإيجابية , و أفكار الحب الغير مشروط تجاه الكل (ما له أخطار صحية بالمناسبة و سنتكلم عنها في الأسفل مع ذكر المصدر)

تعتمد ديانات أو حركات العصر الجديد على الانتقائية الشديدة , بمعنى أنها تأخذ من عدة حضارات و ثقافات أصلية (native and indigenous) بشكل غير كامل و تمزجه مع بعضها لتظهر نسقاً غير واضح المعالم , تخيل أنك تكتب كتاباً و تعتمد في كتابته على خمسين كتاباً آخر , تأخذ سطراً من ذاك و آخر من ذاك و من صفحات غير مرتبة , هكذا هي حركات العصر الجديد , مثلاً تأخذ من الهندوسية مفهوم الكارما بشكل غير كامل (حيث أنها تعطي تعريفاً غير صحيح للكارما و تحرف معناه الهندوسي) و تمزج معه مصطلح "الطاقة" من أفكار العلم الزائف pseudoscience فتخرج بمعتقد جديد هو "إن فعلت شيئاً سيئاً فإنك ترسل طاقة للكون ترتد إليك و تصاب بها أنت" علماً أن الطاقة هي مصطلح علمي يعني "القدرة على القيام بفعل" و لا يوجد شيء لوحده يسمى "طاقة" لأنها ليست شيء بل صفة , مثلاً "طاقة حركية , طاقة كهربائية...) فما هي طبيعة الطاقة التي تُقصد ؟ و إلى أين تذهب في الكون لكي ترتد ؟ هل تتأثر بالمحيط حولنا مثلاً المعادن و الكهرباء فتؤثر على قيمتها أو قوتها ؟ و لماذا أضافوا مصطلح الكارما رغم أنها لا تعني تماماً ما يقصدون ؟

أو مثلاً يأخذون مصطلح "الجن" من الديانة العربية القديمة و يطبقونها على ما لا ينطبق عليها

كما أن الحركتين متأثرتان بشدة بالكهنوت المسيحي , فمثلاً من المؤثرين بالعصر الجديد هو الكاهن المسيحي السويدي إيمانويل سويدنبرغ , و بطرق بالمذاهب التنجيمية المسيحية , و كذلك بمجتمعات الإيمان بالمخلوقات الفضائية.

من أفكار الحركتين ما يسمى بقانون الجذب و التخيل الخلاق , حيث أن هناك إيمان بأن ما تفكر به تجذبه لحياتك من مرض أو صحة أو ثراء أو غيرهم... و أن تخيلك للشيء يجعله حقيقة عن طريق القانون نفسه , و حتى أنها تدخلت بالتنمية الذاتية و البشرية و علم النفس و أعطت أفكار مبالغ بها عن التوكيدات و هذا ما يرفضه المجتمع العلمي

فمثلاً :

1- استخدام التوكيدات الإيجابية يعطي نتائج عكسية لمن يحتاجونها , فهي تعمل فقط لمن يمتلك الصفة المراد توكيدها , مثلاً إن استخدم شخص يفتقر لتقدير الذات و هو مدرك لمشكلته أي توكيدات لتعزيز تقدير الذات فإن النتائج ستكون عكسية , هي تستخدم فقط لتعزيز الشعور الذي تمتلكه مسبقاً , تعرف على المزيد من هنا

2- كشف العديد من ثغرات قانون الجذب و المشاكل التي تعتري استخدامه من هنا

3- علماء فيزياء حقيقيون يردون على ادعاءات كتاب راوندا بايرن "السر" المخصص لقانون الجذب , مثلاً ادعاء أن أفكارنا تصل للكون و كيف أن الحقل المغناطيسي للدماغ و  الذي تعمل في الأفكار لا يصل إلى أي مكان خارج جمجمتنا , إذاً لا أفكار تصل إلى أي مكان لترتد إلينا و كذلك الاختبارات التي أجريت على من استعمل قانون الجذب في عمله أثبتت فشلها , لأن التوكيد للدماغ أنك ناجح و أنك تنجز مهامك تماماً يبرمج الدماغ أنه بالفعل أنجز العمل حتى لو لم ينجزه تماماً فتتعطل الرغبات الإبداعية , تعرف على المزيد من التفاصيل من هنا 

4- و الأخطر من كل ذلك أن العصر الجديد و الفكرة الجديدة و ما يتبع لهما مثل قانون الجذب يسببون ما يسمى بـ "التنمر على الضحية" حيث ينص ما يسمى "قانون" الجذب على أن كل ما يحدث لك حدث بسبب أفكار مسبقة لك , تحدث بسبب الإيمان بهذه الفبركة العلمية مشاكل نفسية تسمى بالتنمر على الضحية حيث أن الضحية المؤمنة بهذا القانون أو المحاطة بأشخاص يؤمنون به تتلقى التنمر , مثلاً قانون الجذب يلوم النساء المغتصبات على اغتصابهن فحسب قانون الجذب لو لم ترد الضحية بشدة أن يتم اغتصابها لما حدث ذلك , و حسب القانون الأم التي مات ابنها هي من سببت ذلك لأنها أرادت من ابنها أن يموت , و كذلك الحروب , و حتى المجاعات التي تحدث في كثير من المناطق بالعالم سببها أن أولئك الناس هم من أرادوها , هل حقاً أطفال الصومال هم من أرادوا بشدة أن يجوعوا حتى الموت ؟ لقد وصل المسوى الدنيء ببعض كتاب العصر الجديد و الفكرة الجديدة أن ينصحوا في كتبهم ألا نتطلع على الفقراء و المشردين و ألا نقدم الهبات و المساعدات المادية لأن الانخراط بهم و بمشاكلهم سيسبب لنا الفقر و ينصحون بكل دنائة أنه كي نساعدهم يجب أن نريهم كيف سنصبح أغنياء عن طريق قانون الجذب و التوكيدات و التخيل الخلاق! هذه ليست مزحات هناك حالات طبية كثيرة حصلت بسبب قانون الجذب , لقراءة العديد من حالات التنمر على الضحية بفعل أفكار العصر الجديد و الفكرة الجديدة و قانون الجذب , من هنا و هنا و هنا


و كذلك الشفاء بالكريستال و أحجار الطاقة و ربطه بالوثنية هو أمر غريب , فادعاء أن الكريستالات أحجار طبيعية سحرية قديمة جداً هو شيء سخيف , الكريستال يمر بعلميات كيميائية عديدة في المصانع حتى يصل إلى شكله الحالي , استعماله في الوثنية ليس تاريخياً , و إن فعله بعض الوثنيون اليوم فهو على سبيل الإضافة لا أكثر لكنه ليس من أعمدة أو "أركان" الوثنيات أبداً , في حين أنه لدى بعض الشعوب القديمة استعمالات سحرية و طبية لأنواع معينة من الأحجار لكنها ليست مقسمة إلى مئات لفئات أو تستعمل بنفس طريقة "الطاقة" لدى العصر الجديد.

استعمال فكرة الطاقة و ربطها بالسحر هي كذلك من العصر الجديد و ليست من الوثنية , السحر في الوثنية مختلف تماماً عن الطاقة و ناروتو , و التفكير وحده لن يخلق لك شيء ما لم تسعى إليه.

يتعرض العصر الجديد لانتقادات مسيحية حيث عادة ما يتم تحريف مفاهيم مسيحية من قبله و نشرها و الترويج لها زيفاً , و من المجتمع الوثني و الشعوب الأصلية لانتهاكها للخصوصية الثقافية و للمقدسات عند الشعوب الأصلية عادة بطريقة تثير السخرية , كمثال , رتبة الشامان الوثنية لدى الشعوب الأصلية يتم استخدامها من قبلهم بدون احترام الطقوس الصعبة و المغامرات الكثيرة التي يقوم بها الشامان الأصلي و حتى الأدوات و خصوصيتها , فيتقمصون دوره و ينشرون معلومات خاطئة عن الممارسات الشامانية الأصلية و يجعلونها محط سخرية.

الديانات الوثنية المتأثر بالعصر الجديد هي الديانات الجديدة neo مثل الويكا و الدرودية الجديدة الانتقائية و الوثنية الجديدة الانتقائية حيث لا تعتبر هذه الديانات "وثنية تماماً" بل متأثرة بأفكار العصر الجديد و المسيحية , في حين الديانات الوثنية الإثنية القديمة مثل الديانة الكنعانية , العربية , الكيميتية , الهندوسية , الشنتو... تخلو تماماً من تلك الأفكار.

قد يتساءل البعض ساخراً كيف يمكن نقد أفكار العصر الجديد من وجهة نظر وثنية رغم أن في الوثنية الكثير من الآلهة و الكائنات الخرافية , للإجابة عن هذا التساؤل يرجى زيارة المقال التالي :

و كذلك النقد الموجه للعصر الجديد و الفكرة الجديدة في هذا المقال ليس من وجهة نظر دينية , بل من وجهة نظر ثقافية و انتهاك لخصوصية الكثير من الثقافات التي تقوم بها جماعات العصر الجديد و التقليل من قيمتها.

الفروق الأهم بين الوثنية و بين العصر الجديد و الفكرة الجديدة هي أن الوثنية لا تنخرط أبداً بمقاييس العلم الزائف , و لا تقيس نفسها بمصطلحات علمية , فالعلم هو بنية مستقلة , في الواقع أنثروبولوجياً العلم الحديث هو وليد سلسلة من العلوم القديمة بدأت بالسحر و مرت بالأسطورة و الفلسفة , كما أن العلوم التجريبية كانت منذ زمن الوثنيين الذين شيدوا حضارات مدهشة كالكنعانية و الفينيقية و الآشورية و اليمنية و البابلية و اليونانية و الصينية و الهندية و المصرية و الرومانية و حضارات الآزتك و المايا و اليابان و كوريا , و احتفظوا بنفس الوقت بإيمانهم بالآلهة و بممارساتهم الدينية , لأن العقلية الوثنية لا تسعى إلى تفكيك المكونات الحضارية بل تراها متصلة و غير متضاربة , في الواقع في الوثنيات هناك العديد من آلهة العلم و التكنولوجيا و الطب و الكتابة و الأدب و غيرهم مثل هني كتب , الأكتب , ثوث , هيفستس و آسكليبيوس... و مع ذلك ما زالت الوثنية لا تحاول أن تثبت نفسها بطرق علمية , و نحن لا نعامل الآلهة كآلات كلما طلبنا منها شيئاً نتوقع منها أن تفعله , بل نؤمن بأننا يجب أن نعمل كذلك , لذلك عندما تدخل المجتمع الوثني على مواقع التواصل الاجتماعي (الغربي تحديداً لأن المجتمع الوثني العربي على الشبكة ما زال صغيراً) ستتعرف على العديد من الوثنيين منهم العلماء و منهم المهندسون و الأطباء و الأدباء و المعلمون و غيرهم... لأن الوثنية لا تحاول أن تفصل نفسها عن العلم أو تبرر أو تثبت نفسها عن طريقه.

فرق آخر أن الوثنية لا تتعدى على الخصوصية التاريخية للشعوب , في الواقع الوثنية هي في الأساس مبدأ تلك الشعوب و تاريخياً الوثنية هي من تعرضت للتعدي , و ما زالت حتى الآن.

المواضيع الحساسة بالنسبة للشكوكيين مثل السحر يمكن أن تُسقط إلى حد كبير أثناء البحث و التركيز على الجوانب الفلسفية أكثر.

مدونة الوثنية بالعربي ستتجه من الآن فصاعداً إلى الاهتمام بالوثنيات الإثنية و القديمة التاريخية و إقصاء كل أفكار العصر الجديد عنها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق