الأربعاء، 3 أبريل 2019

الوثنية ضد الاستعمار


الوثنية كمجموعة ديانات تؤمن بتعدد الآلهة و بقداسة الطبيعة و الحضارة سوية ترفض في جوهرها الاستعمار و التعصب العرقي , ليس رفضاً أخلاقياً فحسب , بل إن الوثنية بذاتها لا تثمر و لا تزدهر في بيئة استعمارية , و هذا ما أدى إلى الممالك بأن تتخلى شيئاً فشيئاً عن الوثنية , لأن الممالك القديمة و التي كانت دياناتها وثنية عندما غزتها الأطماع التوسعية و باتت استعمارية بدأت الوثنية بالتراجع منها , و هذا ما حدث تاريخياً في اليونان و روما و غيرهم من الممالك و سنشرح السيناريو الذي تم به ذلك.
عاش البشر كمجموعات منفصلة أنشأت حضارات عدة , بطبيعة الحال كان كل البشر حينها وثنيين , لكل منهم آلهته المحلية التي يعبدها و يتقرب منها , و خاصة في العصور السحرية و الشامانية الأولى للوثنية , ثم بدأت الممالك بالتوسع مشكلة إمبراطوريات استعمارية تطمع للمزيد و المزيد من التوسع و الاحتلال , هذا أدى إلى سلب العديد من الإثنيات من مواطنها الأصلية و تطبيعها بإثنيات و جنسيات الممالك و الإمبراطوريات التي خضعت لها و بطبيعة الحال حدث تأثر و تأثير دينيين في الساحة , فمثلاً رأى العديد من الغزاة أنه من الأفضل لهم تعريف آلهة الأقوام التي احتلوها على أنها آلهتهم , و خاصة أن الممالك و الإمبراطوريات المنتصرة أشاعت بهذا الفعل (استبدال الآلهة المحلية بآلهة الإمبراطورية , أو تعريف الآلهة المحلية على أنها نفس آلهة الإمبراطورية) انتقال العبادة من الآلهة الأصلية للمنطقة و الشعب إلى آلهة الغزاة , و فقدان الاتصال المقدس بين الشعب و أرضه و آلهته , و بدأ العصر الفلسفي الذي كان ككرة انقسمت قسمين , أعطى أحدهما الفلسفة الإلحادية و الأخرى الديانات الإبراهيمية. و بدأت المذاهب الفلسفية تنبثق من الوثنيات الأصلية على حساب المعارف العلمية و الحضارية التي كانت مركز اهتمام الوثنيين الأوائل

كيف تم ذلك ؟

رأى العديد من فلاسفة اليونان أنفسهم مضطرين إلى إيجاد التفاف يخلصهم من حقيقة أن الآلهة مختلفة و ليست واحدة و أن زوس و بعل حدد ليسا بالضرورة متشابهين , لذا أنشؤوا مذاهب تفرعت عن الديانة اليونانية الأصلية المحلية , مثل النيوبلاتونية , التي ترى "الجيد" أو "الواحد" أنه مسبب الوجود و علته الأولى , و أن كل الآلهة هم تصورات له , هم أشكال مختلفة عنه , هذا المذهب لاحقاً كان أحد أسباب وجود المسيحية , و التي أنهت تماماً عصور أوروبا الذهبية و نقلتها إلى ما يسمى تاريخياً العصور المظلمة لأوروبا , و أدت إلى انهيار حضارات الهلال الخصيب تماماً.
إذ تم دائماً اختصار عدد الآلهة و تعريف بعضهم على أنه الآخر و دمج بعضهم ببعض , حتى قام الفلاسفة يائسين بمحاولة إصلاح المشكلة فزادوا الطين بلة باختراعهم مصطلحات كـ "الواحد" النيوبلاتوني , و ألغيت عبادة الآلهة في اليهودية التي اعترفت إلى حد كبير بوجود آلهة غير "يهوه" لكن فضلت عبادته , ثم جاء المسيحية المتأثرة خليط من كل ذاك و التي أعطت بدورها ولادة للإسلام , الأمر لم يكن خطأ اليونان و روما وحدهما , بل و إمبراطوريتي الشرق الكبيرتين , الآشورية و فارس التي اعتنقت الزرادشتية و كان لهما تأثير كبير كذلك.

أين الوثنية من كل ذلك ؟

الوثنية هي عبادة الآلهة و الأرواح المحلية (بشكل أساسي) و العالمية و احتفال بالتقاليد المحلية و الحفاظ عليها و النظر لماضي الأجداد و الافتخار به أو التعلم من أخطائه , و التطلع بأمل نحو مستقبل الجيل الآتي من النسل , الشعوب التي بقيت مكتفية بموطنها الأصلي , للمفاجأة فإن أغلبها ما زال وثنياً يمارس ديانته بدون انقطاع منذ أمد التاريخ , بلا استعمار و بلا أطماع ,و في النهاية من سيكترث لأمر -فلنقل- شخص ياباني يعيش في اليابان , كامي/آلهة اليابان أم آلهة اليونان ؟ و العكس , بمن سيكترث الياباني بآلهته أم بآلهة اليونان ؟

و هناك الكثير من الوثنيين اليوم الناشطين في حقوق السكان الأصليين , و المشاركين في حملات إعادة التوطين للسكان الأصليين خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية و الذين يدعون لإعادة الأرض لسكان أميركا الأصليين و الوقوف ضد الأطماع الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق