الأربعاء، 5 يونيو 2019

الوثنية و مجتمع قوس قزح (المثليون , المثليات , ثنائيو الميول الجنسية , المتحولون جنسياً...)


عند الحديث عن الميول الجنسية و الجندرية في مجتمعاتنا عادة ما نلاحظ نفوراً و تعصباً فيما يخص كل من هو ليس
بغيري الجنس (غيري الجنس هو الذي ينجذب للجنس المعاكس) , بل و قد يصل الأمر بالبعض إلى تعذيب أولئك الأفراد و قتلهم بسبب أفكار موروثة و تعاليم دينية , و هناك جملة شائعة يرددها المتعصبون ألا و هي : ليس هنالك أي دين يسمح بالممارسات المثلية , أو ليس هنالك أي دين يتقبل متحولي الجنس...

في الواقع هذا ليس صحيحاً , كل الأديان الوثنية , و بلا استثناء ترحب بالمثليين , المثليات , ثنائيي الميول الجنسية , المتحولين جنسياً و غيرهم من التصنيفات الجنسية و الجندرية و العاطفية مثل اللاجنسيين , اللارومانسيين , العابرين جنسياً , الغير مصنفين جنسياً , متعددي الميول الجنسية و غيرهم... بل إن العديد من الشخصيات الوثنية المعروفة تاريخياً هي إحداها , و العديد من الأساطير حول الآلهة تصورهم بتلك الميول.

و إليكم بعض الأسباب التي تجعل من الديانات الوثنية ديانات صديقة لمجتمع قوس قزح :

1- غياب التشريع الإجباري , و المتأثر في الغالب بالسلطة الذكورية في العصور القديمة لبعض المجتمعات , فعلى عكس الديانات الإبراهيمية التي كتب تشريعاتها و كتبها المقدسة رجال في الغالب كانوا أصحاب مراكز سياسية فكانت تشريعاتهم قاسية في حق مجتمع قوس قزح , فإن الوثنيات تخلو تماماً من هذه الإشكالية.

2- ليس فقط غياب التشريع , بل إن العديد من المجتمعات الوثنية لم تكن أصلاً ذكورية , بل كانت المرأة تعتبر مقدسة بشكل يفوق ما نعرفه اليوم حتى في مجال حقوق الإنسان , أدى هذا التقديس الذي لا يمكن أن نغالي فيه إلى الابتعاد عن الفوقية الذكورية و إرساء التساوي و تقديس المرأة للمرأة كذلك فكانت هناك العديد من طقوس الكاهنات ذات الطابع المثلي.

3- لا تهتم الوثنية أبداً بتقييد الحريات , لأن فعل ذلك لن يؤدي إلّا إلى الكبت و الإنقاص من قيمة الإنسان الذي يشغل وقته الآن للأسف بالنضال من أجل حرياته التي كان لا بد أن تكون معطاة له أساساً بدلاً من أن يركز على النمو و الارتقاء , إن الوثنية منفتحة على هذه الحريات أساساً , و هدفها هو الارتقاء بعلاقة الإنسان مع كل ما هو مقدس من حوله , على عكس الأديان التي ما زالت تناقش إلى الآن للأسف كيفية قتل المثليين و تعذيبهم...

4- الوثنية لا تهمش الجنس و علاقاته أبداً , هي لا تعتبر أي ممارسة جنسية طالما تتم برضى الطرفين/الأطراف أنها "نجاسة و يجب التكفير عنها" على العكس , كما تعتبر الوثنية الفن و العلم مقدسية و طريقان للتعبير و الوصول إلى معنى أسمى , فإنها تنظر للجنس نفس النظرة , في الواقع تنظر العديد من التقاليد الوثنية إلى الجنس كفعل مقدس , ليس فقط الجنس الغيري , بل بكل أنواعه , فمثلاً الكتاب الهندوسية "الكاما سوترا" يشرح تلك التنوعيات الجنسية العديدة كالجنس الثالث و المثلية و اللاجنسية و غيرها و ينظر إليها كميول و توجهات طبيعية و أساسية في المجتمع , و في كتاب المأدبة : فلسفة الحب لأفلاطون يشرح كيف أن الحب و الجنس المثلي مقدس , بل و قد تتجاوز قداسته قداسة الحب و الجنس الغيري , ذلك أنه يراه خالٍ تماماً من الرغبات الإنجابية , و يشرح كيف أن الإله زوس خلق الإنسان مهيئاً حتى يمارس الجنس المثلي.

5- في الديانات الوثنية الجديدة كالويكا هناك قبول واسع لمجتمع قوس قزح , بل إن العديد من معتنقي الويكا هم ناشطون في مجال حقوق مجتمع قوس قزح , رغم أن التقاليد الأولى للويكا كانت ترى أن الطقس يتم عن طريق كاهن و كاهنة (تمثيل للإله و الإلهة) إلا أن التقاليد الجديدة و كذلك الفردية منفتحة أكثر بخصوص إدارة الطقس (رغم أنه حتى التقاليد الأولى لم تحرم المثلية أبداً)

6- العديد من الآلهة و الشخصيات الأسطورية ظهرت بتلك الميول أو التوجهات و الأمثلة عديدة لا حصر لها فمثلاً :

1. الإله النرويجي/النوردي لوكي أخذ في الأساطير أشكال عدة نساء (تحول جنسي) و في ذكر في إحداها ممارسته للجنس و هو على هيئة امرأة

2. الديانة الصينية الوثنية غزيرة بالقصص المثلية ,و خاصة التقاليد الجنوبية , لدرجة أن المثلية يُطلق عليها "الرياح الجنوبية" و كذلك فإن الإله الصيني "تو إر شين" أو "الإله الأرنب" هو إله ينظم العلاقات العاطفية و الجنسية بين الرجال المثليين

3. في الديانة اليابانية "الشنتو" عندما أغلقت الإلهة الجليلة آماتيراسو على نفسها في الكهف فخبت نور العالم و بدأ يتجه إلى الموت , قامت إلهة الرقص آمي نو إيزومي بالكشف عن ثدييها و الرقص و دعت الإلهة آماتيراسو إلى تقديرهما , و عندها قام الإله إيشي دومي كوري الذي يوصف بإنه متحول جنسياً بوضع مرآة عاكسة كي ترى الإلهة آماتيراسو مايحدث , فانجذبت بشدة إلى رقص الإلهة التي كشفت عن ثدييها لدرجة أنها خرجت و لم تلاحظ الآلهة الباقيين يغلقون الكهف خلفها , و كذلك الإلهة شيرابيووشي هي إله أنثى أو متحولة ذكرية و كان كهنة هذه الإلهة من النساء أو الرجال المتحولين جنسياً

4. في الديانة الفيليبينية إله الموت سيدابا الوسيم يخوض العديد من المعارك من أجل حبه لفتى القمر

5. الإله الدوهيمي الأفريقي ماوو-ليزا هو حصيلة مزج بين إلهة القمر ليسا و إله الشمس ماوا و بالتالي هو ثنائي الجندر (باستعمال تصنيفاتنا اليوم)

6. في الديانة المصرية , هناك أسطورة شهيرة لعلاقة مثلية بين الإله سيت و الإله حورس

7. في الديانة الأسترالية , إله قوس قزح الأفعى أونجود هو أندروجيني أو متحول جنسياً

8. قصة الخلق السومرية تتكلم عن صنف من البشر هم الذين لا يملكون أعضاءً ذكرية و لا أنثوية بأنهم الجنس الثالث , كما أن أحد الطقوس التعبدية للإلهة إنانا هي إنشاد قصيدة من قِبل كهنة من الجنس الثالث تسمى "غالا"

9. في الأساطير اليونانية , الإله أبولو هو ثنائي الميول الجنسية , حيث له علاقات عاطفية و جنسية عديدة مع إناث و ذكور , فإلى جانب علاقاته العديدة مع الإناث , هناك علاقات عديدة كذلك مع ذكور , مثلاً مع  أدونيس , كارنوس , هيلينوس و غيرهم , كذلك الإله اليونانية ديونيسس الذي لطالما امتاز عباده بتحطيم التقاليد المجتمعية البالية كان له علاقات عاطفية مثلية مثلاً مع أمبيلوس , و كذلك العلاقة بين إيانثي و إيفيس (امرأتان)

10. لا سبيل لحصر الأمثلة الهندوسية , فمثلاً شيفا و زوجته بارفاتي , حيث تحول شيفا جنسياً إلى امرأة في العديد من المرات و بقي زوجاً لبارفاتي , و كذلك الإله فيشنو تحول إلى الأفاتار الأنثوي موهيني و تزاوج مع شيفا و أنجب منه أيّابّا..

الأمثلة لا حصر لها , و على سبيل الاختصار , الأميركيون الأصليون عرفوا ما يسمى "ذوي الروحين" و هم الذين يملكون الصفات الأنثوية و الذكرية سويةً و  كذلك ديانة شعب الماوري و المايا و الآزتك و غيرهم , و عرف الوثنيون الرومانيون و كذلك المصريين و الهنديين الزواج المثلي و بين المتحولين (تحديداً الهنديون , حيث أن الوثائق عديدة بهذا الخصوص)...

كان هذا اختصاراً للعديد من الأسباب , و بهذا نرى أن أفراد قوس قزح مرحب بهم تماماً في الفكر الوثني , الآلهة ترحب بالجميع , لا سبب يدفع بهم أن يكرهوك بسبب ميولك الجنسية أو توجهاتك الجندرية , و طالما أن هنالك حب , هنالك حياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق