الجمعة، 30 أغسطس 2019

الوثنية الإلحادية : هل يجب عليك أن تؤمن بالآلهة و الأرواح حتى تكون وثنياً ؟


المجتمعات الوثنية على مواقع التواصل الاجتماعي عديدة و كثيرة , و يتنوع فيها الأفراد من حيث دياناتهم الوثنية و معتقداتهم و آرائهم و انتماءاتهم , و لو سألت عشر أشخاصٍ سؤالاً قد تتلقى عشر أجوبة مختلفة , و قد تصادف من يعرفك على الوثنية الإلحادية , و هي شكل من أشكال الوثنية لا تؤمن بالآلهة بأي شكل من الأشكال و ترفض وجودها و تكتفي بتقديس الطبيعة بمنظور فيزيائي بحت.
لكن هنالك مشكلة! لا وجود لشيء اسمه الوثنية الإلحادية , و للأسف عليك أن تختار أحدهما فقط.

قد يبدو لك هذا الجواب صادماً خاصةً لو كنت من المطلعين على المجتعات الوثنية على مواقع التواصل الاجتماعي , للأسف فقد كثر التزييف فيما يخص الوثنية و جعلها البعض من المتأثرين بأفكار "العصر الجديد" و "الفكرة الجديدة" دياناتٍ غير واضحة المعالم لدرجة أنهم يجعلونك تظن بأنك تستطيع أن تطلق على كل شيءٍ اسم الوثنية أو أن تصنف أي شيء على أنه وثني , لكن و بما أن المجتمعات الوثنية الإثنية و حركات إعادة الإحياء للوثنيات القديمة تنتشر أكثر على حساب الوثنيات المتأثرة بديانات العصر الجديد فإن الأمور بدأت تأخذ مجراها الطبيعي و بدأت المعالم تتوضح أكثر , لذلك و بدون الإكثار من الكلام عن هذا الموضوع الذي سيتم تناوله في مقال منفرد , لنتعرف على الأسباب الواضحة التي تجعل من دمج الوثنية بالإلحاد شيئاً غير منطقي.

ما هو الإلحاد - Atheism ؟

الإلحاد هو مذهب فكري لاديني يقول بعدم وجود قوى إلهية أو قوى خالقة في الكون بغض النظر عن طبيعتها , و هو القول بعدمية الوجود و ماديته , كما أنه بحسب الإلحاد فبغض النظر عن المساعي الفردية للأشخاص فإنه لا مغزى من الوجود البشري ككل و لا لوجود الحياة و أن وجودها كان محض صدفة , لا يضع الإلحاد بعين الإعتبار أهمية لتقديس أي شيء في الطبيعة و لا مغزى من أي تواصل روحي و ذلك لعدم وجود أي شيءٍ روحي أساساً بنظره.

ما هي الوثنية - Paganism ؟

الوثنية هي مصطلح مظلي يغطي عدداً من الأديان التي تقوم على عبادة آلهة متعددة (بغض النظر عن طريقة الإيمان بها) و تقديس الطبيعة و الحياة و الاحتفاء بها و تقديس ظواهرها كتبدل الفصول , الولادة , الموت , الحصاد و غيرها... و تقديس الأجداد (خاصة الذين كان لهم تأثير إيجابي على حياتنا) و الإيمان بالقوى الروحية (كالسحر أو الثيوروجيا - و قد يختلف البعض في هذا).

الوثنية تقوم على الإيمان بوجود مغزى و جوهر روحي لكل عناصر الحياة و ترى أننا كبشر على اتصال دائم بها كعنصر من عناصر الطبيعة و جزء منها , و ترى الوثنية (كما هي ظاهرة في عدد من الأساطير المختلفة حول العالم) معنى الوجود في الإنماء الدائم و الارتواء من كل المعارف التي كان يراها الأوائل هدية من الآلهة و على عيش الحياة إلى أقصاها و التماس المقدس و سبر أغوار المجهول , كما توصف الوثنية بأنها التعبير الشعري لإيمان البشر على مر العصور و بأن كل مكونات الطبيعة و كل الكائنات هم جزء من الأسطورة التي نعيشها , لذلك نجد الوثنية على عكس الإلحاد الذي يقف حيادياً , بأنها راغبة في التدخل بالعصر الذي نعيشه و ذلك بأن تعيد و تصون و تحفظ الإثنيات , البيئة , التواصل الروحي بين البشر و مع الطبيعة , تزيل النظرة المادية و الاستهلاكية الاستعبادية التي فرضها علينا العصر الحالي و ما فيه من سياسات و اقتصاديات مادية تطمع للسلطة , إعادة أهمية الأسرة و المجتمع و الحفظ على فردية الشخص بنفس الوقت , نشر التسامح الديني حتى مع أتباع الديانات الغير وثنية أو اللادينيين.

نحن لا نقول أن الإلحاد يدعو للعكس , بل إن ما نقوله هو أن الإلحاد يقف موقف الحياد منها , لأن الإلحاد لا يجمع الملحدين كما تفعل الوثنية بالوثنيين , فالإلحاد ليس نظاماً اجتماعياً بل مذهب لاديني فردي , بل في الواقع إن الأفكار العدمية التي تنتج منه (بعدمية الوجود و لامعنوية اتصال الإنسان بالطبيعة و المقدس و بالتالي فوقيته عليها) تضر البيئة و الطبيعة التي نعيش فيها , إلا أن هذا لا يعني عدم وجود العديد من الملحدين الناشطين بحقوق الإنسان و البيئة حول العالم.

و من الفروق الأخرى التي تجعل الوثنية و الإلحاد غير قابلين للمزج هي أن الوثنية تؤمن بالطقوس التي هي تركيبات لها معانٍ رمزية تهدف لتهيئة الممارس للوصول إلى هدف روحي أو لجعله على تواصل معه كطقوس عبادة الآلهة , بينما عقلية الإلحاد التي تنكر المعنى الروحي تجعل من الطقس مجرد حركات ديناميكية لا هدف منها و هذا ما لا يمكن اعتباره من الوثنية.

كذلك فإن الوثنية تؤمن بالتدخل الإلهي أو السحري بينما لا يوجد في الإلحاد مكان لهكذا إيمان.

و في النهاية لا يسعنا ذكر الفروق بين الوثنية و الإلحاد لكن من أبسط الفروض و أوضحها هو المذهب الثيولوجي لكل منها

فالوثنية تنتنمي للديانات التعددية - Polytheism من كلمتي (poly و تعني التعدد) و (theos و تعني الآلهة) أي (تعدد الآلهة)
بينما الإلحاد فهو Atheism من (A و يستخدم للنفي بمعنى non أي "لا" أو without "بلا") و (theos بمعنى آلهة) أي (لا آلهة أو بدون آلهة)

و هما مذهبان على طرفي النقيض

لذلك إن كنت تحب الطبيعة و ترى فيها سعادتك و إلهامك لكنك تنكر وجود الآلهة فهنيئاً لك , أنت ملحد تحب الطبيعة , لكن هذا لا يعني أنك وثني بأي شكل من الأشكال حتى لو ادعيت ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق