الخميس، 12 أبريل 2018

لماذا تراجع انتشار الأديان الوثنية في العصور القديمة ؟


تناولنا سابقاً حقيقة انتشار الأديان الوثنية بكثرة في عصرنا الحالي لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تراجعت هذه الأديان أساساً ؟


كي نجيب على هذا السؤال علينا أن نعرف أن كل الشعوب في العالم عبدت الآلهة و قدستها و قدست الطبيعة و كان لديها تصوراتها عن الخلق و الوجود , لذلك لم يكن على الأرض بقعة لم يعتنق شعبها الوثنية و ما زالت حتى الآن هي الأديان السائدة في كثير من بقاع العالم مثل الهند و اليابان و الصين و كوريا الجنوبية
لكن التاريخ و الحاضر يذكر لنا نهوض ثلاثة أديان سمت نفسها بالأديان السماوية أو كما تعرف بالأديان الإبراهيمية نسبة إلى شخصية أسطورية تسمى "إبراهيم" لم يتم العثور على أية أدلة تاريخية تدعم وجودها , زعم مؤسسوا هذا الأديان أنها موحى بها من السماء لتخليص البشر من ذنب -لم يقترفوه أساسا- و لعبادة الإله الواحد الذي عادة ما يصور على هيئة ذكر قوي سادي محب للسلطة و العبادة في السماء يراقب أعمال الناس و يحاسبهم على أفكارهم و أفعالهم و قد هيّء لهم ناراً أبدية لمن يعصيه أو يخالف تعاليم الدين و جنةً لمن التزم بتعاليم الدين و عبده...
تزعم هذه الأديان أنها الأديان الأولى في العالم و هي قائمة على التوحيد لكنها تعرضت للتحريف عدة مرات مما اضطر الإله الواحد إلى إرسال العديد من الرسل لكي يقوموا بتصحيح الدين ثم توقف فجأة رغم أن تلك الأديان انقسمت إلى أقسام أكثر مما كانت عليه قديما و تعرضت لتحريف أكبر , و ادعاء أن هذه الأديان هي الأقدم هو ادعاء غير صحيح , فكل الأبحاث و كل المكتشفات التاريخية تثبت أن الديانات الأقدم في العالم كلها كانت تعددية (Polytheistic) و ليست توحيدية (Monotheistic) و أن أقدم ديانة توحيدية هي الزرادشتية و هي حديثة بالنسبة للأديان الوثنية بل و قامت تعاليمها على سرقة بعض من التعاليم الوثنية في بلاد فارس القديمة (إيران حالياً).

و هذه الأديان الإبراهيمية هي حسب الترتيب من الأقدم إلى الأحدث : اليهودية , المسيحية , الإسلام.

ظهرت اليهودية لدى العبرانيين أو من يسمون ببني إسرائيل و كذلك المسيحية فيما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية

في البداية لم تلقَ هذه الأديان أي قبول لدى تلك الشعوب لعدة أسباب منها :

1- التوحيد الذي يعتبر بالنسبة لتلك الشعوب فكرة دخيلة.

2- تلك الأديان سادية و فرضية.

3- فكرة الجحيم و النعيم , الإيمان و الكفر هي أفكار مرفوضة لدى الشعوب القديمة , لأن تصنيف الناس على أساس إيمانهم و كفرهم بالآلهة كان مرفوضاً في السابق , أما التصورات لما بعد الموت فكانت متنوعة و ليست حكراً على جحيم و نعيم , بل حتى أن فكرة الجحيم و النعيم قديماً إن وجدت فلم تكن تتعلق بالإيمان و الكفر الذي تقترحه الأديان الإبراهيمية.

4- جعل الدين أولوية على باقي جوانب الحياة كذلك كان مرفوضاً , فقد امتازت الديانات القديمة بأنها ممتزجة مع الحضارة و تقديمها على جوانب الحياة يعني فصلها عنها و بالتالي فقد رفضت.

5- لم يرَ القدماء أي سبب منطقي للتحول لدين جديد , فهم لم يكونوا مهووسين بالدين و الدين الجديد نفسه لم يكن ليعطي حلّاً لأي مشكلة بل كان سيزيد الانقسامات.

6- الدين الجديد كان عبارة عن سرقة لمعتقدات الأديان الوثنية , بل أن حتى الإله الواحد الذي تحض الأديان الجديدة على عبادته هو إله وثني عبده الشعب قبل ظهور الدين الجديد فمثلاً الإله "الله" الذي يعبده المسلمون هو إله عربي قديم عبده الوثنيون العرب , بينما "يهوه" الذي يعبده اليهود و المسيحيون فهو أساساً إله كنعاني و عبراني قديم بل و شخصية المسيح نفسها يمكن تقفي أثرها إلى آلهة عدة مثل الإله اليوناني دايونيسس (Dionysus).

و غيرها من الأسباب التي أوردتها الأديان الجديدة نفسها في كتبها المقدسة , فمثلاً من المعروف أن القرآن -كتاب المسلمين المقدس- اعترف أن كثيراً من قصصه معروفة لدى الوثنيين العرب قبل الإسلام فكلما جاءهم محمد بآية تروي قصة يردون بأنهم سمعوها سابقاً و أنها أسطورة معروفة لهم و لآبائهم.

إذاً لماذا تراجع انتشار الأديان الوثنية رغم أن معتنقيها رفضوا الأديان الجديدة ؟

السبب يلخص بمصطلح واحد هو : الحروب الدينية.


في اليهودية مثلاً , كررت التوراة عدة مرات أوامر إبادة بحق شعوب بأكملها , فنجد أن إله التوراة أمر حتى بقتل الأطفال و النساء و الشيوخ الكنعانيين , بل إن أحد أنبياءه قتل كثيراً من كهنة الإله الكنعاني "بعل".

في المسيحية التي انتشرت في أوروبا كثيراً حدثت الكثير من الحروب في سبيل نشر كلمة يسوع أو البشارة "الإنجيل" , هذه البشارة أدت إلى قتل الملايين من الناس حرفياً , و سميت العصور التي سيطرت فيها الكنيسة على أوروبا بالعصور المظلمة و التي اشتهرت بقتل الوثنيين الأوروبيين و ادعاء أن آلهتهم شياطين و حرق من يعبدهم أو قتلهم و تدمير قسم من الإرث الحضاري للعديد من الشعوب مثل اليونانين و الرومانيين , كذلك فعلوا في الشرق الأوسط في أماكن عديدة مثل سوريا عندما تم قتل الكثير من الأبرياء باسم المسيح الذي يدعونه "رئيس السلام" لمجرد أنهم يتبعون أدياناً أخرى.

أما في الإسلام فنجد أن نبي الإسلام "محمد" عندما بدأ دعوته في مكة كان أهل مكة عامة و قريش خاصة قادرين على قتله في أي وقت لكن القتل بسبب الدين لم يكن شيئاً منطقياً لهم و لربما ما أزعجهم هو تفرقته السياسية لهم , إلا أنّ أحداً لم يقتله , لكن عندما غادر مكة إلى يثرب (ما يسمى اليوم بالمدينة) و عاد مع جيش سيطر به على مكة , تروي لنا الأحاديث الصحيحة و آيات القرآن عن مشاهد قتل و ذبح للقبائل الوثنية التي لم ترضخ للدين الجديد و عن حالات السبي و التقطيع التي قام بها و من بعده خلفاؤه.


و لأن الحكم في المناطق التي تسيطر عليها هذه الأديان هو حكم ديني يتبع للدين نفسه و ليس علمانياً (العلمانية هي أن الدولة تكفل حرية الشخص من معتقد و ممارسات و غيرها.. طالما أنه لا يؤذي أحداً) فإن اعتناق أي شخص لدين وثني يعني موته , فنجد أحكام القتل و الردة و الشرك تشغل حيزاً كبيراً في العقائد الإبراهيمية , على عكس المناطق التي تنتشر فيها الوثنية مثل اليابان مثلاً , حيث يكون الحكم علمانياً و حرية الدين و الاعتقاد مكفولة , و حتى في شبه الجزيرة قديماً فإن الوثنيين العرب كانوا يسمحون بوضع صور للمسيح و أمه في الكعبة من أجل المسيحيين و كذلك تمثال لإبراهيم من أجل اليهود هناك , لكن عندما انقلب الأمر و أصبح الحكم للأديان الإبراهيمية تم تهديم تماثيل الآلهة العربية و قتل كل من يقوم بعبادتهم.

و كذلك تم تحريف التاريخ في تلك المناطق
فمثلاً تم ادعاء أن الوثنيين كانوا يقيمون أضاحي بشرية في بعض الحالات من الأطفال كما ادعى اليهود أن الكنعانيين يفعلون , أنكر الباحثون لاحقاً هذه الاتهامات بل حتى أن أسماء الآلهة التي ادعى اليهود أن الكنعانيين يقومون بتقديم الأضاحي البشرية لهم ليست صحيحة , في حين أن المسلمين أطلقوا على الحقبة من تاريخ العرب قبل الإسلام بالجاهلية و اتهموا العرب بوأد البنات , رغم أن كتب التاريخ تحفل بنساء عربيات قبل الإسلام حكمن ممالك و قبائل و كنّ كاهنات يتقن الطب و الأمور الروحية و غيرها... كما أن العديد من الباحثين أوضحوا زيف تلك الادعاءات.

إن القتل الذي استمر لمئات السنين و ما زال مستمراً حتى الآن , و التخويف و الترهيب و التزييف أدوا إلى تراجع انتشار الأديان الوثنية , لكن و مع إدراك الناس اليوم للخطر الذي تركتهم الأديان الجديدة به , عادوا إلى جذورهم و إلى الطبيعة و إلى الآلهة الذين لطالموا كانوا هناك من أجلنا , و اليوم الأديان الوثنية هي أسرع الأديان انتشاراً في حين يمر الإسلام على سبيل المثال بمرحلة من الموت البطيء و بدأ يفقد شعبيته لدى الناس.

بعض من الحالات الشبيهة حدثت في مناطق أخرى من العالم فمثلاً الملوك الزرادشتيون أمروا بقتل الوثنيين الفارسيين كذلك.

هذه المدونة ليست ضد المسلمين و لا المسيحيين و لا اليهود , نحن لا نتمنى الشر لأحد و لا نحاسب جيل اليوم على ما اقترفته الأجيال الماضية بل نتمنى الخير للجميع , إلا أن التكلم بالحق واجب على كل شخص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق