الجمعة، 1 فبراير 2019

مفهوم الآلهة في الديانات الوثنية : هل آلهتنا كائنات خرافية ؟


لطالما تصور الناس أن الآلهة الوثنية هي كائنات خرافية
متخيلة ابتكرها العقل البشري و أضاف إليها كل ما يعجبه و كل ما يخيفه ثم عبدها شعوراً بالأمان , كما و يؤمنون أن هذه العبادات و هذه الفلسفات بدائية قد ولّى عليها الزمن و أن الزمن نفسه كان كفيلاً بمحو آثارها , إلا أن هذا ليس بأي شكل من الأشكال صحيحاً.

في هذا المقال سنتعرف على الأسباب التي تنقض هذا الادعاء , أما بالنسبة لتراجع بعض الأديان الوثنية فقد تمت مناقشته سابقاً في هذا المقال.

و علينا قبل كل شيء أن نميز الفرق بين مفهوم الآلهة في الديانات الوثنية القديمة التي مارستها الشعوب القديمة و التي استمرت حتى الآن و بين مفهومها في الوثنيات الجديدة التي ظهرت نتيجة الاحتكاك بين مختلف عناصر الوثنيات القديمة و أفكار العصر الجديد و فلسفات قديمة تفرعت عن الوثنيات مثل النيوبلاتونية.


مفهوم الآلهة في الوثنيات الجديدة :

يصعب حصر مفهوم الآلهة في الوثنيات الجديدة و ذلك بسبب تعددها لكن يمكن أن نلاحظ نسقاً عاماً بينها و هو "التشخيص" و كذلك "الطاقة" فمثلاً تُعتبر الآلهة الذكور من جميع الحضارات كأوجه مختلفة للإله الأكبر في ديانة الويكا و كذلك الآلهة الإناث تعتبر أوجه مختلفة للإلهة الكبرى و في نفس الوقت يُعتبر الإله الأكبر تشخيصاً للطاقة الذكورية و الإلهة الكبرى تشخيصاً للطاقة الأنثوية , هاتان طاقتان تكملان بعضهما و كذلك تمثلان النقائض , الحياة و الموت , النور و الظلمة , الليل و النهار... فمثلاً تُعتبر الإلهة شمس , الإلهة آرتمس , الإلهة فريا و اللاتي هنّ من حضارات مختلفة كأوجه أو تجسيدات مختلفة للإلهة الكبرى , و يُعتبر الإله هُبل , الإله زيوس , الإله أودن كأوجه أو تجسيدات مختلفة للإله الأكبر.

و تعمل هاتان الطاقتان بشكل مشابه قليلاً للين و اليانغ الطاويين لكن ليس بشكل تام.

مفهوم الآلهة في الوثنيات القديمة :

يُعتبر مفهوم الآلهة في الوثنيات القديمة أسهل و أوضح فالآلهة من جهة هي أرواح , تحكم أو تمثل روح شيء أو مفهوم معين و من جهة تمثل معان فلسفية أو وجودية , فمثلاً الإلهة العربية شمس , هي إلهة الشمس كما هو واضح من اسمها , هي روح الشمس و جوهرها بما تمثله من دفء و قوة و حتى فيزيائياً... , يمكن أن نفهمها نوعاً ما بأنها (العقل أو الروح أو القلب الذي يسير الجسد الفيزيائي الذي هو نجم الشمس و لكن في الفكر الوثني ليس من الضرورة أن يكون المادي منفصلاً عن الروحي و بذلك تكون هي ذات الشمس بكل ما تحمله من صفات) , و أيضاً هناك آلهة تمثل معان فلسفية أو وجودية مثل الآلهة الأولى التي أخصبت الحياة عند التكوين و الآلهة التي تمثل أو تحكم قيماً أو حالات معينة كالعدل ، الموت ، الحياة و غيرها..

باختصار في الوثنيات الجديدة الآلهة غالباً تشخيصات مثنوية (ثنائية) لطاقة معينة , و هذه نظرة متأثرة بحركة العصر الجديد New Age

أما في الوثنيات القديمة الآلهة هي أرواح (روح بمعنى جوهر أو نَفَس) أو كيانات (تعددية) أو تمثل أفكار فلسفية أو وجودية

و بالعودة للسؤال هل الآلهة خرافية ؟ فالجواب هو بالطبع لا , لم يعبد القدماء كائنات تخيلوها بل عبدوا الأرواح التي تحكم عالمنا سواء كانت أرواح الطبيعة كالشمس و القمر و النجوم و الأرض أو أرواح  الأفكار و الأخلاق و المشاعر التي تؤثر فينا بشدة و تحكمنا كالحب و العلم و الفن و غيرهم... , يظهر هذا جلياً في أسماء الآلهة فمثلاً الآلهة العربية (كونها الأقرب إلى الفهم بسبب أننا نتكلم العربية) فنجد أن أسماءها تمثل فعلاً الأشياء التي تعتبر آلهة لها ، يمكنكم معرفة ما يمثله الإله أو الإلهة بمجرد قراءة الاسم مثلاً ستعرفون ببساطة أن "شمس" هي إلهة الشمس و روحها , "هلال/بدر/قمر" هو إله القمر بكل أطواره , "خُمَر" هو إله الخمر , "مناة" هي إلهة المنية و القدر...

إذاً فالتمثايل و الرسومات و غيرها التي مثلت بها الآلهة هي أحد أوجه الفن بغرض تجسيد أفكارنا عن الآلهة , صورة الإله هيليوس اليوناني إله الشمس و هو يقود عربته السماوية التي تجر الشمس ما هي إلا فن يمثل جريان الشمس كما رآه اليونانيون القدماء في السماء , التماثيل و الصور هي طريقة تقرب لنا الفكرة عن طريق الفن , لأننا لا نعرف شكل الآلهة و لأنه ربما لا يكون لها شكل أساساً فإن الفنون التصويرية التي استخدمها القدماء لرسم و تصوير الآلهة هي الطريقة التي نفهم بها نحن البشر كيف يمكن للإله أن يكون كي نتعامل معه بطريقة تناسبنا , صورة الإله شيڤا الهندوسي التي ترينا أفعى على عنقه مثلاً هي طريقة لترميز قوة الإله و هيمنته على العالم البري...


و كذلك فإن أجناس الآلهة في الوثنيات القديمة تتعلق عادة باللغة لأننا لا نعلم إن كان لها حقاً جنس لذلك الشمس عند العرب إلهة و عند اليونان إله ، و طالما أننا نعني ذلك الجوهر المقدس للكائن أو الروح التي تسير الشمس و تمثلها بنفس الوقت , فهذا هو المهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق